صيادو الحديدة بين شباك القصف وشبح المجاعة

> تقرير/ صفية مهدي

>
يشكل ميناء الحديدة مصدر رزق لعشرات الآلاف من اليمنيين في المحافظة، فمعظمهم يعمل في مجال مرتبط بالصيد، بيد أن الحرب اليمنية اضطرتهم لفقدان مصدر رزقهم، فباتوا بين خطر الموت جوعاً أو قصفاً في البحر.

اضطر اليمني فتيني سالم، (33 عاماً)، إلى الاشتغال في بيع قطع الثلج في أحد الأسواق الشعبية، لتعويض مصدر دخله من صيد الأسماك، حيث يعمل فيه عدد كبير من أبناء محافظة الحديدة اليمنية الإستراتيجية المطلة على البحر الأحمر. فقد ألحقت الحرب المستمرة منذ سنوات، أضراراً بالغة بالصيادين، فمنهم من فقد عمله أو تعرض للاستهداف، في حين اختار البعض الآخر مواصلة المهنة بظروف مشوبة بالمخاطر.

ورث سالم مهنة الصيد، في مدينة الحديدة، عن والده وعمل فيها سنوات طويلة قبل أن تضطره ظروف الحرب إلى الاشتغال (حمالاً) وبعدها انتقل إلى بيع قطع الثلج بالمدينة لتوفير ما يطعم به أطفاله الخمسة ويقول سالم لـ (DW) إن الخوف من التعرض لغارات جوية أو الاعتقال أو الوقوع ضحية الألغام المزروعة في البحر، جعله يتوقف عن مهنة الصيد.

آلاف الصيادين يخسرون عملهم
تعد الحديدة أحدى أهم المدن الحيوية في اليمن، وتمثل شرياناً تصل عبرها غالبية المساعدات الإنسانية والواردات الغذائية، التي تغطي مناطق واسعة من البلاد، وتحتل الجزء الأكبر وسط الساحل الغربي لليمن من خلال ما يقرب من 10 مديريات ساحلية (تقسيمات إدارية من المستوى الثالث)، وهو ما يجعل الحديدة من أهم مناطق الثروة السمكية بالبلاد، وتشكل مورد رزق لعشرات الآلاف من أبناء المحافظة.

وفي ظل الخسائر التي لحقت بالصيادين جراء الحرب بمحيط الحديدة منذ ما يقارب عام على الأقل، خسر عدد كبير من الصيادين أعمالهم واضطر الكثير منهم للبحث عن بدائل.
ولا يختلف حال عبدالله (40 عاماً - يتحفظ عن هويته الكاملة) كثيراً عن حال سالم.


فبدوره، خسر عمله في الصيد بسبب الحرب، لكنه اختار المغادرة إلى السودان للعمل في إحدى شركات الصيد، إلا أنه،  وحسب ما يحكي، وقع ضحية لأحد السماسرة اليمنيين، الذي قدم له ولغيره من الصيادين إغراءً بالسفر إلى السودان للعمل  بإحدى شركات الصيد، وبعد ثلاثة أشهر من العمل المتواصل، لم يتسلم أحد منهم حقوقه، بل وجرى حجر وثائق سفرهم من قِبل الشركة، بمبرر أنها تحملت نفقات سفرهم بما فيها تذاكر الطيران.

في المقابل، لم تثنِ الحرب والمخاطر المتعددة من القصف الجوي والألغام البحرية، علاوة على الظروف الأمنية الصعبة، لم تثنِ أعداداً غير قليلة من صيادي الحديدة على مواصلة مهنتهم، غير أنهم، ووفقاً لما يروي خليل حسن الذي التقى (DW) عربية في ميناء الصيد السمكي، فإنهم يعملون وسط مخاوف شديدة ولم يعد بإمكانهم التوجه إلى مناطق بعيدة عن الساحل، كما كان الأمر في السابق.

قصف جوي وألغام أرضية
وعن وضع الصيادين بشكل عام في ميناء الحديدة، يقول رئيس «ملتقى الصياد»، التهامي محمد الحسني: إن وضع الصيادين في الحديدة «مؤلم ومخزن للغاية»، ويضيف أن «الصيادين شريحة بسيطة مسالمة قد تكون ثقافتها بسيطة جدًا، وهي شريحة اعتادت على المخاطر في البحر واعتادت في عملها على الكثير من المصاعب».

ويقدر الحسني نسبة الخسائر التي لحقت بقطاع الصيد في الحديدة، بحوالي 70 إلى 80 بالمائة مقارنة بما كان عليه في سنوات ما قبل الحرب، ويقول: «إن الصيادين اعتادوا أن ينطلقوا إلى مسافات قريبة وبعيدة حيث أماكن تواجد الأسماك، وهناك من أصيب أو قتل، رغم ذلك مازال البعض يخاطر بالذهاب إلى هناك لأن أرزاقهم مرتبطة بأماكن محددة بالشعب المرجانية وأماكن تواجد الأسماك».


عشرات، بل مئات الصيادين اليمنيين قضوا قبالة سواحل الحديدة، خلال السنوات الأخيرة، أغلبهم بغارات جوية للتحالف الذي تقوده السعودية. ولا تخلو الحوادث التي تستهدف الصيادين من اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن الاستهداف بين جماعة أنصار الله (الحوثيين) وقوات التحالف.

آخر هذه الحوادث كانت في جزيرة «بضيع» في الـ 13 من الشهر الجاري، حيث قتل وأصيب العديد من الصيادين، جراء ما قال الحوثيون: إنه غارة جوية للتحالف، في حين أعلنت وسائل إعلام تابعة للحكومة المعترف بها دولياً، أن القتلى والجرحى، وعددهم (15) صياداً، قضوا بانفجار لغم بحري زرعه الحوثيون.

اعتراض البوارج السعودية والإرتيرية
ويشير عضو الاتحاد التعاوني السمكي في الحديدة، محمد عيطان، في حديثه لـDW عربية، إلى أن تواجد البوارج الحربية والسفن التابعة للتحالف قريبة من الساحل، أثر كثيراً على قدرة الصياد بالتعمق أكثر في البحر، لأن «الأسماك الاقتصادية ذات المردود المالي موجودة في الأعماق وبالتالي لا يستطيع الصياد الوصول إليها»، حيث تعرض صيادون للاحتجاز من قِبل السلطات السعودية والإرتيرية.. ويرى عيطان أن هناك حاجة لتحرك المجتمع الدولي لحل مشكلة الصيادين اليمنيين الذين يتعرضون للاحتجاز ومصادرة القوارب وأحياناً إيداعهم السجون في السعودية وإريتريا، وكلاهما بلدان جاران لليمن (الأخيرة على الضفة الأخرى من البحر)، ويطالب بـ «ضمان حرية الصيد في المياه الإقليمية المنصوص عليها في الاتفاقيات والقوانين المبرمة بين الدول».

يذكر أن DW عربية حاولت أن تتواصل مع وزارة الثروة السمكية في الحكومة اليمنية، للحصول على تعليق حول وضع الصيادين في الحديدة، إلا أنها تحفظت عن الرد.
عن «DWعربية»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى