بين اللجوء السياسي والهجرة غير الشرعية.. اليمنيون يموتون غرباء

> تقرير/ أحمد عبد الوهاب

>
الحرب في اليمن كانت نتيجتها قتلى وجرحى ما زالوا يتساقطون حتى تلك اللحظات، هذا بخلاف ملايين المرضى والجوعى، تلك الكوارث لمن يعيشون في الداخل، ولم يكن الفارون وطالبو اللجوء السياسي أكثر حظاً ممن يعيشون في الداخل، بل تكاد تتفوق أزماتهم نظراً لأنهم خارج أوطانهم بلا عمل أو دخل.

تتلخص أزمة اللاجئين اليمنيين في مصر في إغلاق مفوضية الأمم المتحدة أبوابها أمامهم بعد حصولهم على التسجيل المؤقت الذي يتيح لهم الحصول على قدر ضئيل من المساعدات غير المنتظمة، ولم يتح مكتب المنظمة في مصر لليمنيين بشكل خاص بالحصول على التسجيل الذي يتيح لهم التوطين في الدول الأوروبية التي تستقبل لاجئين. فحاملو الكارت المؤقت غير مسموح لهم بالتحرك خارج مصر، وغير مستحقين للتوطين في الخارج، كما لا يحق لهم العمل في مصر أو أن تتم معاملتهم كاللاجئين السياسيين وفق القانون الأممي.

يقول عبدالله مشرف، مؤسس لجنة حقوق اللاجئين اليمنيين في مصر: «نحن مجموعة من اللاجئين المثقفين والأكاديميين اليمنيين في مصر، أنشأنا كياناً أسميناه (ملتقى اللاجئين اليمنيين في مصر)، وكل أعضائه من اللاجئين اليمنيين، بعد الأحداث الدامية والحرب المدمرة تشرد مئات الآلاف من منازلهم، ودمرت البنى التحتية، وقتل الكثير من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، والحصار الخانق، مما دفع الكثير من المواطنين إلى الفرار من الوطن، فلم يكن لنا من سبيل إلا طلب اللجوء إلى الدول المجاورة؛ وهي مصر والأردن والسودان وماليزيا، بعد أن أغلقت جميع الدول أبوابها بوجهنا».

البحث عن حياة كريمة
وتابع مشرف: «لم تتوقف معاناتنا إلى هذا الحد، بل استمرت في الدول المضيفة لنا، فقد ترك الكثير منا عمله ومنزله في الوطن، وصار يبحث عن مساعدات المنظمات الدولية التي لا يلقاها معظمنا بحجة إعطاء الأشد احتياجاً، ولم يحددوا بوضوح من هم الأشد احتياجاً، وهل يعتبر حالنا بعد كل هذا أفضل حالاً؟! ونحن لا نستطيع العودة إلى اليمن حالياً ولا مستقبلاً، فالوضع في اليمن متأزم جداً، ملجأنا الوحيد هو طلب اللجوء من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ثم تحديد وضع اللاجئ، ثم إعادة التوطين لمن لديهم حاجة ماسة لذلك، ليجدوا الكرامة والحياة الكريمة التي فقدوها، إلا أن هذا لم يحدث فقد تم تعليق الملف اليمني إلى أجل غير مسمى، وللأسف لم يتم الاعتراف بنا كلاجئين بل طالبي لجوء».

الموت في البحر
وأشار مشرف إلى أن هناك عشرات الآلاف من اللاجئين اليمنيين موجودون في مصر لم يسجلوا في مفوضية الأمم المتحدة لمعرفتهم بأنهم يسيرون إلى المجهول، وستأخذ الأمور سنوات طويلة، ولن يصل إلى نتيجة مما يضطر الكثير المخاطرة بحياته للهجرة «غير الشرعية» إلى أوروبا، فهي توفر على اللاجئ اليمني الوقت الطويل الذي ينتظره في مصر دون الحصول على نتيجة، وهذا التأخير من المفوضية يشجع هذا التوجه بطريقة غير مباشرة.

وطالب مشرف بفتح الملف اليمني، والاعتراف باللاجئ اليمني كلاجئ أسوة بباقي الجنسيات؛ وليس طالب لجوء، وإعادة توطين اللاجئين المستحقين لدولة ثالثة، حيث إنه لم يتم إعادة توطين اللاجئين اليمنيين خلال السنوات الماضية مع زيادة حصص اللاجئين لإعادة التوطين في عام 2019، إلا أن اليمنيين لم يتم إدراجهم ضمن بقية الجنسيات الأخرى، ورفضت الأمم المتحدة الاعتراف بالشعب اليمني هنا بمصر كلاجئ معناه «أننا نعيش بلا هدف».

المصير المجهول
من جانبه، قال عمار ياسر، عضو اللجنة الإشرافية للجنة حقوق اللاجئين: «عمري 21 سنة هربت أنا وإخواني ووالدتي إلى السعودية، ثم توجهنا إلى مصر بعدما تم قصف منزلنا بسبب عدم انصياعه لأوامر الميليشيات الحوثية بالانخراط معهم أنا وإخوتي من تجنيدنا للقتال، وصلنا إلى مصر في 2015، وقدمت طلب اللجوء في 2016م منفرداً، ثم إخواني وأمي قاموا بالتقديم من بعدي، وتعتبر والدتي المعيلة الوحيدة لنا بسبب انفصالها عن والدي لأسباب سياسية وعائلية، ومن ذاك الحين توجهنا لجميع المنظمات الحقوقية لطلب المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة ولم نتلقَ أية مساعدة، وكانت جميع طلباتنا مرفوضة حتى أقل المساعدات من تعليم أو معونات وغيرها».

وتابع عمار ياسر: «إن بعض المستجدات في قضيتنا كانت صادمة، إنهم يريدون والدي أن يأتي ويقدم لجوء لكي تنقل ملفاتنا معه، مع أنهم يعلمون جيداً بأن قضيتنا كان أبي أحد أسبابها، وإننا نتعرض للخطر من جانبه، ولكن أصروا أن يأتي وتجاهلناهم حتى الآن، ومصيرنا مجهول».

ملف اليمنيين مغلق
قال وليد علي سيف، لاجئ يمني منذ عام 2012: «حصلت على بطاقة اللجوء الصفراء فور تقدمي للمفوضية، وزوجتي سورية الجنسية تحمل البطاقة الصفراء، في ملفين منفصلين بسبب اختلاف الجنسيات، وفي 2014 حصلت على بطاقة اللجوء الزرقاء مع أولادي بنفس الكرت، ولم أحصل خلال هذه الفترة على أية فرصة للتوطين، علماً بأني كنت قد قدمت ملفي لمنظمة سانت آندروز، وكلما ذهبنا لمراجعة المنظمة بشأن ملفاتنا يقال لنا إن ملف اليمنيين مغلق، علماً بأنه يتم توطين بقية الجنسيات بكل سهولة وسلاسة، ونحن كلاجئين يمنيين نعاني من هذه العنصرية التي تمارس بحقنا في كل الخدمات الطبية والتعليمية وإعادة التوطين، وتجاهل حقوقنا وإهمالنا على كافة الأصعدة».

الحلم المفقود
وتابع وليد سيف: «أليس من حق اللاجئ اليمني أن يحصل على بعض الاهتمام أسوة ببقية الجنسيات؟ علماً بأنه هاجر مرغماً بسبب هذه الحروب التي تعيشها البلاد في اليمن وسوريا، وهذا الكلام ينطبق على كافة اللاجئين اليمنيين في مصر، ومشكلتي أن بلدي وبلد زوجتي يعيشان الحروب الطاحنة منذ سنوات، فلن نستطيع العودة إلى اليمن ولا إلى سوريا».

جواز سفر صومالي
وقالت امرأة رفضت ذكر اسمها: «عند وصولنا للمفوضية لم نكن نعلم أن ملف اليمنيين متوقف، وتم وقف المقابلة، ولم يكن هناك اهتمام أو أي إجراء مبدأي كأخذ البيانات مثلاً، بل أخبرنا الموظف بأنه لو كان لدينا جواز سفر صومالي كان وضعنا سيكون أفضل، وهو ما أصابنا بالصدمة، ذهبنا للمنظمات لمساعدتنا، ولكنهم أخبرونا بعجزهم المالي ما دفعهم لوقف المساعدات».

وتابعت قولها: «استأجرنا بيت بدون عفش، وكنت أنا وزوجي وأولادي ننام في غرفة واحدة، على فرشات اشتريناها من أجل أن نستطيع النوم، وهذا كل ما عندنا، نحن بلا مصدر دخل واضطررنا لطلب المساعدة من أقارب لنا خارج مصر، ونقتصد على قدر المستطاع لكي نوفر الأساسيات لأطفالنا».

2 مليون لاجئ
قال أحمد أحمد الزوقري، رئيس المنتدى الديمقراطي المعاصر في اليمن: «إن اللاجئين اليمنيين يواجهون معاناة كبيرة في عدد من الدول نتيجة عدم تبني المنظمة الدولية مطالبهم، وعدم تقديم العون لهم في البلاد التي يقيمون بها».
وقال: «أدت الحرب إلى نزوح الملايين من اليمنيين إلى الدول العربية وخاصة مصر، ويعاني هؤلاء من عدم اعتماد أوراقهم لدى المنظمة الدولية للاّجئين، ووفقاً لتقارير أممية، فإن عدد اليمنيين في السعودية ربما يصل إلى 2 مليون، ولا يعاملون كلاجئين سياسيين لأن منهم مقيمين ومنهم بدون إقامة».

وأضاف الزوقري: «الآلاف سجلوا لدى المنظمة الدولية في مصر على أنهم لاجئين، لكن هناك مئات الآلاف يعانون من عدم قدرتهم على التسجيل، وتعد اليمن أول دولة في العالم تعاني من عدم تسجيل لاجئيها لدى المنظمة الدولية، ومصر هي التي تحملت وما زالت الكثير من اللاجئين وتقاسمت معهم المعاناة».

وتساءل الزوقري عن من يكون السبب وراء إغلاق ملف اللاجئين اليمنيين في مصر والسعودية وجيبوتي، وفي كل دول العالم، ونسبة كبيرة منهم يحاولون الهجرة مرة أخرى وبطرق غير شرعية في الكثير من الأحيان، ويغرقون في البحر، ومنهم صحفيون وإعلاميون ومثقفون.. وغير ذلك، كل هذا ناتج عن تجاهل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فهي لا تقوم بواجبها، وفي بعض الأماكن لا تستقبلهم أصلا.

الطوابير الطويلة
وأشار الزوقري إلى أن زيارة قصيرة لمكتب المفوضية بمصر يمكن أن تكشف واقع اللاجئين اليمنيين، وما يبعث الألم في النفس نتيجة الطوابير الطويلة، وعدم وجود المؤن الكافية، مضيفا: «لا تستطيع الحصول على الخدمات أو الرعاية، وفي النهاية تتم عمليات تسجيل بسيطة كل فترة، ثم تتوقف المنظمة عن التسجيل، ما يدفع اللاجئين لعدم الذهاب أو البحث عن أماكن أخرى».

ولفت الزوقري إلى أن ما تدفعه المنظمة للاجئين هي مبالغ بسيطة جداً لا تفي مع عدم وجود صحة أو سكن أو تعليم، وتقدمنا وتراسلنا مع الجهات الأممية، وكان ردهم علينا الانتظار لعدم وجود موارد مالية، وعدم استعداد الدول الأخرى لقبول اللاجئين، وبكل صدق مصر هي الدولة التي استقبلت اللاجئين، وبهذا الكم دون أن تضيف عليهم أعباء أخرى.
عن «سبوتنيك»​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى