قراءة في عودة المؤسسة التشريعية في اليمن بعد إخفائها قسرًا

> محمود الطاهر

> في الـ13 من أبريل 2019، عقد البرلمان اليمني بشكله الجديد دورته غير الاعتيادية في مدينة سيئون بدعوة من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لأول مرة منذ اقتحام الميليشيات الحوثية العاصمة اليمنية صنعاء في 21 من سبتمبر 2014 وعطلوا دستور البلاد وأنشأوا لجانًا ثورية يستمدون منها شرعيتهم.
انعقاد البرلمان اليمني خارج العاصمة صنعاء بسبب الظروف القاهرة وفقًا لقرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي رقم 19 لسنة 2017، ولائحة البرلمان الداخلية وخصوصًا المادة الخامسة منها، يتطلب موافقة 134 نائبًا من إجمالي قوام المجلس من الأعضاء الذين هم على قيد الحياة البالغ عددهم 267 عضوًا، وهو ما زاد على ذلك العدد، حيث وصل عددهم، بحسب وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، إلى 145 عضوًا.

منذ مقتل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، أصبحت الحلول السياسية تغيب عن أفق الأزمة اليمنية، بسبب عدم وجود رؤية واضحة لدى الميليشيات الموالية لإيران في إنهاء الأزمة، والجنوح للسلم لإنقاذ ما تبقى من اليمن ومواطنيه، وهو ما أدركه النواب الذين كانوا يرفضون الاجتماع بعيدًا عن العاصمة اليمنية صنعاء، حتى لا يسبب ذلك انقطاع للعملية السياسية بشكل نهائي.
لكن بعد مد وجزر بين أعضاء البرلمان (وخصوصًا النواب الذين ينتمون إلى حزب المؤتمر الشعبي العام أكبر الأحزاب السياسية في اليمن الذي يسيطر على غالبية مقاعد المؤسسة التشريعية في البلاد)، والرئيس اليمني بشأن انعقاده، توصلوا أخيرًا إلى قناعة تامة بأهمية أن يمارس البرلمان مهامه، في سبيل استعادة دوره التشريعي وسحب البساط من تحت الحوثيين الذين كانوا يخاطبون المؤسسات التشريعية في العالم عبره.

ورغم الدعوات التي دعا إليها رئيس البرلمان اليمني الجديد سلطان البركاني وكذلك الرئيس اليمني، الحوثيين إلى التعقل والجنوح إلى السلم وتشكيل حزب سياسي، فإن ذلك يبدو أنه من باب الواجب السياسي للبرلمان، وهي دعوة أخيرة قبل الإجراءات التي سيتخذها البرلمان والحكومة اليمنية.

دستورية الاجتماع
في بنود القرار الذي حمل رقم 19 لسنة 2017، استند الرئيس إلى المادة رقم 66 من الدستور اليمني التي تنص على أن «مقر مجلس النواب في العاصمة صنعاء، وتحدد اللائحة الداخلية الحالات والظروف التي يجوز فيها للمجلس عقد اجتماعاته خارج العاصمة»، واعتمد أيضًا الرئيس اليمني على المادة رقم 5 من اللائحة الداخلية للبرلمان اليمني في قرار النقل التي تنص هي الأخرى على أن «مقر مجلس النواب العاصمة صنعاء، ولا يجوز للمجلس عقد اجتماعاته خارج العاصمة إلا لظروف قاهرة يستحيل معها انعقاد المجلس داخل العاصمة بناءً على دعوة من رئيس الجمهورية أو بناءً على اقتراح من هيئة رئاسة المجلس ويوافق على الاقتراح أغلبية أعضاء المجلس».

وبالعودة إلى الدستور اليمني ولائحة البرلمان وأعضائه الذين يشكلون غالبيته من حزب المؤتمر الشعبي العام الذي تزعمه الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، فإن هذا القرار كان قبل هذا التوقيت غير قابل للتنفيذ لأسباب كثيرة أهمها عدم اكتمال النصاب بسبب أن غالبية أعضاء البرلمان يدينون بالولاء لعلي عبد الله صالح، لكن مقتله شكل منعطفًا في المناورة السياسية الذي خسرها الحوثيون هذه المرة.

مقتل صالح جعل غالبية أعضاء المؤتمر الشعبي العام ينظرون إلى الميليشيات الحوثية بأنها ميليشيات دمار، ولا يمكن أن يصلح حالها واستحالة التعايش معها لا سيما أنها انقلبت على أهم شخصية سياسية في البلاد عملت على تثبيت أركانهم في المحافظات الشمالية ومنحهم برلمانًا كان بالنسبة لهم الرئة الشرعية التي يتنفسون بها وشريان ممتد إلى العالم، لذلك قبلوا كل العروض التي قدمها الرئيس اليمني بأهمية التئام أعضاء المجلس من جديد وبشكله الدستوري بعد أن فاق العدد النصاب المطلوب.

حقيقة انعقاد البرلمان اليمني بحد ذاته، منح اليمنيين شعورًا بوجود الدولة، وأنها تمشي بخطط وإن كانت بطيئة للعودة واستعادة أنفاسها من جديد، وهو أمل لكل مواطني الجمهورية اليمنية بعد الألم الممتد على طول وعرض الخريطة اليمنية، وذلك يعكس حقيقة مهمة وهي بداية تعافي والتئام شتات الشرعية ومحاولة جادة للنظر إلى المستقبل برؤية واحدة، ويعكس أن الأحزاب السياسية أعادت الاعتبار لذاتها بانعقاد المجلس، خصوصًا في ظل محاولة الميليشيات تكريس شرعيتها عبر انتخابات شكلية في الدوائر التي تعد شاغرة بسبب وفاة أعضائها.

أهمية الاجتماع
انعقاد البرلمان في اليمن، وبأي بقعة فيها نتيجة للظروف القاهرة، خطوة مهمة وضربة موجعة للميليشيا فهي التي أعاقت انعقاد المجلس في الماضي والقيام بدوره وشكلت اللجنة الثورية للالتفاف على شرعية المجلس، وجود شرعية المجلس اليوم أمر مهم وممكن أن ترتبط به متغيرات في المشهد اليمني لاحقًا، ويمثل خطوة مفصلية في معركة استكمال بناء مؤسسات الدولة اليمنية المنهوبة، وقيام المؤسسات الدستورية بدورها الوطني في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ اليمن.

نتج عن الدورة غير الاعتيادية الإعلان عن التحالف السياسي بين جميع الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، الذي دعا إلى أهمية أن يكون هناك جبهة وطنية سياسية على طريق استعادة الدولة وإسقاط المشروع الإيراني، وهي خطوة مهمة طالما انتظرها اليمنيون لرص الصفوف وتحقيق النصر على الميليشيا الحوثية التي أهلكت الحرث والنسل وعاثت في اليمن فسادًا.

مستقبل البرلمان
بقدر الانتصار الذي يشعر به الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في التئام البرلمان اليمني، وعقد جلساته الأولى في حضرموت دون عدن بسبب حساسية الموقف، فإن لعقد البرلمان حقائق مهمة لا بد من ذكرها في هذا الموضوع.
أولاً: عودة المؤتمر الشعبي العام الذي كان يتزعمه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وهو رهان يبدو أن أعضاءه كسبوه وأنقذوا الحزب من الشتات بعد مؤسسه، وهذه معادلة مهمة في السياسية اليمنية، وقد يحدد ملامح المرحلة القادمة مع هذا الحزب.

يبدو أن التحالف العربي أراد أن يضمن أن يسلم اليمن في أي عملية سياسية قادمة ناجحة إلى هذا الحزب بحكم خبرته الطويلة في إدارة اليمن، لقطع الطريق على الأحزاب الأخرى التي يبدو أن لديها ولاءات خارجية، وخصوصًا الميليشيات الحوثية في حال توصلت الحكومة اليمنية إلى حل سياسي مع الميليشيات الحوثية وكونت الأخيرة حزبًا سياسيًا خاصًا بها.
ثانيًا: مع إطالة أمد الحرب، وعدم وجود رؤية واضحة لنهايتها في ظل استمرار الحكومة اليمنية بتقديم تنازلات للميليشيات وتظهر مرونتها تجاه المبعوث الأممي مارتن جريفيثس، إضافة إلى صحة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، فإن هناك تخوفًا من أن يصاب الرئيس بأي مكروه دون أن يتم تحقيق هدف التحالف العربي وهو درء الضرر عن المنطقة، أو تقييد الميليشيات الحوثية وتوقيفها عند الحدود الدنيوية، حتى لا تكون أداة إيران لمهاجمة المملكة العربية السعودية في سبيل استكمال الهلال الشيعي، وبالتالي أصبح الآن هناك برلمان شرعي يرأسه إحدى الشخصيات القريبة للتحالف العربي، وهو ما يعني أن تأمين الغطاء الشرعي للتحالف العربي مستمر في حال توفي الرئيس اليمني أو أصيب بأي مكروه.

وعلى كل، يشكل انعقاد مجلس النواب حدث العام السياسي، فخلافًا لتوحيد القوى الوطنية مجددًا في صف واحد، مثل التئام الغرفة التشريعية الأولى في مناطق الشرعية صفعة مدوية للمشروع الحوثي الذي سُحبت آخر مؤسسة دستورية من المناطق التي يسيطر عليها.
وأحبط الاجتماع للمجلس المخطط الهزلي لميليشيا الحوثي التي تسعى لإجراء انتخابات تكميلية، في 20 دائرة نيابية من أجل البحث عن شرعية بالتزامن مع انعقاد البرلمان اليمني.

«نون بوست»​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى