الفتوحات الإسلامية.. معركة الولجة

> هذه المعركة وقعت في بلاد الرافدين في مايو 633 بين جيش الخلفاء الراشدين بقيادة خالد بن الوليد والإمبراطورية الفارسية وحلفائها من العرب المسيحيين. في هذه المعركة كانت قوات الفرس ضعف قوات المسلمين، وقد هزم خالد بن الوليد، رضي الله عنه، القوات الفارسية رغم تفوقها العددي بنسخة مطورة عن حركة الكماشة التي استخدمها حنبعل ضد الرومان في معركة كاناي.

الجيش الفارسي
أمر الإمبراطور الساساني، ادرشير الثالث، بتركيز جيشين آخرين في نفس يوم معركة نهر الدم، وبعد أوامره بدأت القوات الفارسية بالتجمع في العاصمة الإمبراطورية. جاءوا من كل المدن والحاميات باستثناء من يحرسون الحدود الغربية مع الإمبراطورية الرومانية الشرقية. في أيام قليلة كان الجيش الأول مستعدا. توقع مستشارو الإمبراطورية الفارسية العسكريون أن المسلمين سيسيرون مع الفرات إلى الشمال الغربي في العراق، لأنهم يعرفون أن القوات العربية عبر التاريخ لا تتحرك بعيدا عن الصحراء، والتي تستخدمها للتراجع في حالة الهزيمة. بعد توقع تحرك جيش المسلمين صوب الغرب اختار ادرشير الثالث الولجة كالمكان الذي سيوقف فيه خالد بن الوليد ويدمر جيشه. أول جيوش الإمبراطورية الفارسية وصلت إلى قطسيفون ووضع تحت قيادة اندرزغار حاكم خراسان. أمر اندرزغار جيشه بالتقدم للولجة، حيث سيلتحق به الجيش الثاني قريبا. انطلق الجيش الأول من قطسيفون، وانتقل على طول الضفة الشرقية من دجلة، عبر دجلة في كاسكار، وانتقل إلى الجنوب الغربي إلى الفرات، بالقرب من الولجة، عبر الفرات وأنشأ معسكره في الولجة.

جيش المسلمين
كانت معركة نهر الدم نصرا هاما للمسلمين. فمع انخفاض خسائرهم، هزم المسلمون جيشا فارسيا كبيرا وحصلوا على كمية هائلة من الغنائم. آنداك بدأ المسلمون يدركون ضخامة موارد الإمبراطورية الفارسية؛ لكنهم لم يخوضوا سوى معركتين منفصلتين مع جيشين منفصلين، والمسلمون هم الذين اختاروا أرض المعركة ولا يزالون سوى على هوامش الإمبراطورية. ونذكر أن الفرس يمكنهم صف عدة جيوش ميدانية في آن واحد كمثل تلك التي خاضت في معركة كازيما ومعركة نهر الدم. نظم خالد بن الوليد رضي الله عنه شبكة عملاء فعالة تعلمه بمواقع الفرس (العملاء هم من العرب المحليين الذين كانوا معادين للفرس) أبلغ العملاء خالد عن تركيز الجيوش الفارسية الجديد في الولجة، وعن أعدادهم الكبيرة.

كان خالد مصمما على الحصول على الحيرة، والولجة كانت في طريقه إليها. مع جيش حوالي 15،000 رجل، انطلق خالد في اتجاه مدينة الحيرة، وتحرك على نحو سريع على طول الحافة الجنوبية من المستنقعات. قبل أيام قليلة من توقع باهمان، بدأ الجيش المسلم في الظهور في الأفق الشرقي، أقام مخيمه على مسافة قريبة من الولجة.

مناورة خالد
أعداد كبيرة من الفرس الساسانيين كانوا قد فروا من المعارك السابقة عادوا إلى حمل السلاح مرة أخرى. الناجون من معركة ذات السلاسل انضموا إلى قارين وقاتلوا في معركة نهر الدم. الناجون من معركة نهر الدم انضموا إلى اندرزاغار والآن اتجهوا نحو الولجة. واجه المسلمون هاجسان، واستراتيجية واحدة وتكتيك واحد:

الاستراتيجية: كان جيشان من الفرس على وشك أن يجمعا للاعتراض للمسلمين، لكن القائد الأعلى للقوات المسلمة خالد بن الوليد عزم على الهجوم بسرعة، والمحاربة، والقضاء على الجيش الأول (جيش اندرزاغار) ثم الجيش الثاني (جيش باهمان) قبل وصوله إلى مكان المعركة.

التكتيك: منع مقاتلي العدو من الهرب من خضم معركة وإعادة تنظيم صفوفهم والعودة لمواصلة القتال. لذلك قرر خالد إحاطة الجيش الفارسي، والانقضاض عليه من الخلف، وتدمير جيشهم في هذا الوقت.. استراتيجية خالد كانت نوعا من حركة الكماشة.

أعطى خالد توجيهاته إلى سويد بن مقارن لرؤية الإدارة للمناطق التي غزاها مع فريق من المسؤولين، ونشرت مفارز لحراسة دجلة من احتمال عبور العدو وهجومه من الشمال والشرق، وإعطاء أي تحذير عن قوات جديدة للعدو في تلك الاتجاهات.

المعركة
كان اندرزاغار واثقا من النصر، حتى إنه لم يزعج نفسه بالانسحاب إلى ضفة النهر، على بعد ميل واحد، ليتمكن من استخدام النهر لحماية عمق الجيش.
وفي مايو 633، تم نشر الجيشين لخوض المعركة، ولكل منهما مركز وأجنحة: أجنحة المسلمين كانت بقيادة عاصم بن عمرو وعاصي بن حاتم. انتشر الجيش الفارسي في وسط السهل، وكان مواجها للشرق وللجنوب الشرقي، وفي الجنوب الغربي كانت وراءه التلال. شكل خالد جيشه أمام تلال الشمال الشرقي، في مقابل الجيش الفارسي. وسط ساحة المعركة، أي نقطة الوسط بين الجيشين، كانت تبعد حوالي ميلين إلى الجنوب الشرقي من عين الموهاري، وعلى بعد 35 ميلا إلى الجنوب الشرقي تقع النجف و6 أميال إلى الجنوب الشرقي تقع خش الصنافية. معظم قوات المسلمين تألفت من المشاة، مع عدد قليل من الفرسان. توقع الفرس أن يكون جيش خالد أكبر بكثير. في الليلة التي سبقت معركة الولجة أرسل خالد اثنين من ضباطه بشر بن أبي رحم وسعيد بن مارا وجعل كلا منهما قائدا على قوة متحركة تتكون من نحو 2،000 فارس وأمرهم على النحو التالي:
- سوف يأخذ كل منهما فرسانه خلال الليل ويتحرك بسرعة في الجنوب من مخيم الفرس.

- عند الوصول إلى الجانب الآخر من سلسلة التلال التي تمتد وراء مخيم الفرس، سيخفيان الرجال ولكن يحتفظان بهم على أهبة الاستعداد للتحرك خلال فترة قصيرة.
- عند الصباح ستبدأ المعركة، وسيبقون رجالهم وراء التلال، وسيضعون عددا من المراقبين لانتظار إشارة خالد.

- عندما يعطي خالد إشارته سيهاجمان القوات الفارسية من المؤخرة، وكل مجموعة ستهاجم جناحا.
صدرت الأوامر اللازمة من خالد لمن كان يجب أن يعرف هذه الخطة، حتى يتسنى تنظيم وتحضير قوات الضربة دون حدوث أي توقف وبسرية تامة، لذا لم يتم إعلام المقاتلين المسلمين العاديين شيئا من مناورة حركة الكماشة. شكل خالد جيشه الـ 10،000 المتبقي قبالة الجيش الفارسي الساساني.

أما القائد الأعلى للقوات الفارسية، اندرزاغار، فكان يعتمد على الدفاع وترك المسلمين يهاجمون أولا، وقد اعتزم وقف هجماتهم حتى تصبح دون فائدة، وبعد ذلك الشروع في هجوم مضاد لهزيمة جيش المسلمين.

المرحلة الأولى من المعركة كانت وفق خطة اندرزاغار، خالد أمر الجيش بشن هجوم عام. كان للجيش الفارسي احتياطات ستحل محل الرجال في خط المواجهة، الأمر الذي يتيح لهم التحكم في جيش المسلمين ومساعدتهم على تنفيذ مخططهم لاستهلاك جيش خالد. خلال هذا الوقت بارز خالد بن الوليد بطل الفرس العملاق الدي يطلق عليه «هزار مارد وقتله، فكان هدا نصرا نفسيا للمسلمين.

المرحلة الثانية من المعركة بدأت مع هجوم مضاد لجيش الفرس، وربما شاهد اندرزاغار علامات التعب على الجنود المسلمين، لذا احتكم على أن هذه هي اللحظة المناسبة للهجوم المضاد للجيش الفارسي، ففرع من سلاح الفرسان الثقيل قفز إلى الأمام وضرب المسلمين.

تمكن المسلمون من احتجازهم لبعض الوقت، لكن الفرس زادوا الضغط. كان هناك تراجع مبهم للجيش الإسلامي ووقف للهجوم حتى إصدار تعليمات أخرى من خالد بن الوليد. أعطى خالد في النهاية الإشارة على المضي قدما. من خلال أفق التلال التي تمتد وراء ظهر الجيش الفارسي ظهرت فرقتان من المحاربين واحدة من وراء الجناح الفارسي الأيمن، و أخرى من وراء الجناح الفارسي الأيسر. سلاح الفرسان المسلمين الخفيف، المعروف بسرعته التي لا تصدق، وإمكانيته على تنفيد المناورات والتراجع والهجوم مرة أخرى، لم يكن سلاح الفرسان الفارسي الثقيل ندا له. مع هزيمة الفرسان الفارسيين تصاعدت الهجمات التي بدأت تحاصر الفرس. استأنف القسم الرئيسي من الجيش المسلم تحت قيادة خالد بن الوليد الهجوم على الجبهة الفارسية، وفي الوقت نفسه مد مجموعتي الفرسان لإحاطة الفرس تماما. وكان جيش اندرزاغار واقعا في شرك، لا يمكن له الفرار منه.

مع ارتدادات الهجمات التي تأتي من كل الاتجاهات، الجيش الفارسي اجتمع في كتلة مترهلة، عاجزة عن استخدام السلاح بحرية أو تجنب ضربات المهاجمين. وسط الزخم الذين كانوا يريدون القتال لم يعرفوا من يقاتلون. الذين كانوا يريدون الفرار من لم يعرفوا إلى أين يذهبون.

انتهت المعركة، وألحقت خسائر فادحة إلى الجيش الفارسي.. فقط بضعة آلاف من المحاربين الإمبراطوريين تمكنوا من الفرار، أما اندرزاغار فقد تمكن من الهرب، لكنه فر في اتجاه الصحراء العربية بدلا من الفرات وتوفي في تلك المنطقة من العطش.

بعد المعركة جمع خالد رجاله المستنفدين معا، وأدرك أن المعركة فرضت ضغطا رهيبا على قواته، على الرغم من انتصارهم الساحق على الفرس. كانت معركة الولجة أطول وأشرس المعارك التي خاضها المسلمون حتى الآن في العراق، ولذلك سعى خالد بن الوليد إلى ضمان أن تبقى معنويات المسلمين مرتفعة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى