هل تبقى الوحدة بصورتها الحديثة «الإخوانية - الحوثية»؟

> محمد عبد الرحمن

>
 إذا أردنا أن نتعافى من كل الأمراض المجتمعية التي تحملناها، وحاولت القوى النافذة والمشيخة المتسيّدة سابقاً، وما زالت إلى اليوم، أن ترغمنا على التعايش الإجباري مع تلك الأمراض خدمة لمصالحها ومشاريعها، وأن نبقى في عِلة نتائج هذه الأمراض التي يتم تغليفها على شكل كبسولات "الوحدة" أو الانفصال، إنه تعايش إجباري على الرغم من أننا لا نريد وحدة ولا انفصالاً، فقط نريد أن نعيش بتناغم وسلام.

ومن أجل أن يكون التعافي نهائياً دون عودة تلك الأوبئة، فيجب علينا الاعتراف بوجود قضايا ومشكلات بحاجة إلى النظر فيها ومعالجتها بما يضمن التعافي المجتمعي والحفاظ على الروابط التي تجمعنا بشكل حقيقي وفعلي، لا تلك الروابط السياسية التي يتم التلاعب بها حسب مزاج ومصلحة قوى النفوذ التي جعلت من الجنوب والشمال مصدر ثراء لها وبناء استثماراتها الضخمة في الخارج.

عندما نتحدث عن الجنوب فنحن لا نختلق قضية عدمية من أجل أن نرغي فيها ونكتب عنها، بل إننا نتحدث عن قضية كل اليمنيين معترفون بأهميتها ومظلوميتها وموثق هذا الاعتراف في كل الوثائق التي تم التوقيع عليها وآخرها وثيقة مؤتمر الحوار الوطني، الذي كان جوهره وأهم قضية تم مناقشتها فيه هي القضية الجنوبية وما لحق الجنوب من ضرر عقب حرب 94، وما أنتجته حروب وفتاوى الإرهاب الإخواني والحوثي ضد أبناء الجنوب.

للجنوب معادلته الخاصة، ومن الفشل أن نبقى نصفق لبعض الجماعات المتطرفة كالإخوان في فرض نفسها وأجنداتها على المجتمع في الجنوب، ومن التغابي أيضاً أن لا ننظر إلى الواقع بعين متفحصة متطلعة للمستقبل من أجل أن نتجاوز محنتنا، ونحاول أن نجيب على أسئلة المشكلة التي تدور في عقولنا ونبحث عن إجابات منطقية بعيدة عن العواطف الجياشة التي تحاول القوى العجوزة دغدغتها بصورة تتماشى مع مصالحها.

بسبب الحرب وما أفرزته من واقع جديد وأطراف جديدة في الشمال والجنوب، وظهور قوى تتبنى قضايا مدفوعة بنتائج الحرب ومعمدة بها، وعلى ضوء نتائج اجتياح الحوثي للجنوب عام 2015م، وفشل "الشرعية الإخوانية" في إدارته عقب التحرير، وبعد كل التضحيات التي قدمها الجنوبيون في مواجهة الحوثي شمالاً وجنوباً، وبعد اغتصاب الجنوب بالمشاريع الإرهابية باسم الوحدة، هل يمكن أن تبقى الوحدة كمشروع سياسي على صورتها الحديثة "الإخوانية - الحوثية"؟

لا يجب أن تكون هناك وحدة تتبناها مشاريع إرهابية من قوى دينية متطرفة تسعى إلى الاستحواذ على كل الثروات، ولكن عندما نتخلص من تلك المشاريع ومن تلك القوى الطامعة "الإخوان والحوثي" يمكننا أن نتجاوز عقدة الماضي ونضع كل المشاكل على طاولة الحوار ونقرر ما يريده الجميع.
الوحدة على طريقة قوى الإرهاب لن تبقى ولن تجد لها مكاناً تستقر فيه، يريدها الحوثي ليتمدد ويتوسع ويغزو بها كل اليمن، لا يريدها كمشروع وطني وإنما ليبني مملكته وسلطانه ويتمسح بالوحدة لتدر عليه الجبايات والضرائب، فعقب غزوه للجنوب كان ينظر إلى بوابة العالم في باب المندب وميناء عدن ونفط حضرموت وغاز شبوة، دخل الجنوب باسم الوحدة ومحاربة داعش.. وعندما خرج منها مدحوراً، شيطن الجنوبيين وصب جام غضبه عليهم ولعنهم ودعشنهم، بل وصل به الأمر إلى إنكار أصولهم الجنوبية وأنهم مجهولو النسب من الهند والحبشة، واتهمهم في أعراضهم وشرفهم، وكل هذه التهم ضد الجنوبيين نسمعها دائماً من أفواه الحوثيين في كل مكان عقب هزيمتهم، فهل يمكن أن تبقى الوحدة كما يريدها الحوثي في الجنوب؟!

وعلى الطريقة الإخوانية إما وحدة تبقي مصالحهم وفسادهم وإرهابهم وإما الخراب والدمار والتفجيرات، يريد الإخوان الوحدة بالقوة والهيمنة وغطرسة الجنرال علي محسن وبزته العسكرية التي يتخفى تحتها، وحدة على مقاسهم ومصالحهم، وحدهم من يديرون الجنوب ويستحوذون على السلطة ويصدرون القرارات لأتباعهم وتعيينهم في كل المناصب، وإبقاء بقية الأطراف خارج دائرة التعيينات والوظائف والمشاركة في السلطة.

من يرفض توجهات الإخوان وإرهابهم فكل تهم العالم ستوجه ضده، سيكون انفصالياً ملعوناً دنيا وآخرة، أو عميلاً إماراتياً يستلم منها أكياس الخبز ليطعم أطفاله، تهمٌ توجّه كل يوم ضد الجنوبيين بعد أن رفضوا الإخوان وإرهابهم في عدن.
خرج الجنوبيون ليعلنوا للعالم دحرهم الإرهاب الإخواني وانفصالهم عنه، ولم ينفصلوا عن الشرعية التي لا يزالون يعترفون بها وبشرعية هادي، على الرغم من سكوته المعيب، خرجوا وقاتلوا الإرهاب ولم يقاتلوا الشرعية ولا هادي، يقاتلون الإرهاب الإخواني تحت مظلة التحالف العربي، هذا التحالف الذي يعلن كل يوم أنه مع وحدة واستقرار اليمن، فأين الانفصال الذي يسوقه الإخوان؟

يريد الإرهاب المشترك (الإخواني - الحوثي) حرف اتجاه خط المعارك لاستعادة صنعاء، وتوجيهه نحو معارك هامشية وقضايا لا يمكن حلها إلا بعد عودة صنعاء، يستعجل الإخوان في أخذ الغنيمة قبل انتهاء المعركة، ويحلم الحوثي بالوحدة الاندماجية أو الانفصال السريع مع الاحتفاظ بصنعاء وتثبيت ركائز حكمه ومملكته، فكل طرف يسعى لتحقيق مشاريعه والأجندات المفروضة عليه من الخارج "إيران وتركيا" دون اعتبارات للمجتمع ومستقبله.

لا غرابة في التعطش المستمر لقوى وأحزاب أصابتها الشيخوخة، وجوه أنهكت الدولة طيلة سنوات وتريد أن تستمر في النهش بعد سقوط الدولة الذي جاء نتيجة العجز والفشل في حماية الدولة، بل وساهمت هذه القوى بشيخوختها وإفلاسها في سقوط الدولة وتريد أن تبني نفسها من جديد بأدواتها السابقة ونمطيّتها الرتيبة وأفكارها التي أنتجت لنا واقعاً مأساوياً.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى