السلام باليمن مرهون بموقف حاسم ضد معرقلي "الرياض وستوكهولم"

> الانتقالي مستعد للحرب بقدر استعداده للسلام

> «الأيام» غرفة الأخبار
السلام في اليمن لا يزال مرهوناً بمدى جدية التحالف مع التعامل الطرفين المعرقلين للتسويات المطروحة حتى الآن، وهما حكومة الشرعية اليمنية وموقفها المراوغ في التعاطي مع استحقاقات اتفاق الرياض، والحوثيون والتفافهم على اتفاق ستوكهولم والعمل على إطلاق مزيد من التهديدات.

ففي الجنوب وعدن تحديداً تجددت موجات الاغتيال من خلال استهداف عدد من القيادات الأمنية المحسوبة على الحزام الأمني، في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الشرعية اليمنية نتيجة اتساع دائرة الخلافات حول آلية تنفيذ الشق الأمني والعسكري من اتفاق الرياض.

ولم تستبعد مصادر يمنية مطلعة أن تكون الاغتيالات التي طالت قيادات أمنية في عدن على صلة وثيقة بالتوتر السياسي الذي تشهده المحافظات الجنوبية، مشيرة إلى أن قوات الحزام الأمني تمكنت خلال الأيام القليلة الماضية عبر حملات أمنية من ضبط العشرات من العناصر المسلحة في مناطق مختلفة من عدن كانت بمثابة خلايا نائمة تعمل على نشر الفوضى وفق أجندة سياسية.

وأشارت مصادر إعلامية إلى إصدار قيادة التحالف العربي في عدن توجيهات بمنع الدراجات النارية غير المرقمة ومصادرة الأسلحة غير المرخصة ابتداء من مساء السبت الماضي، في سياق إجراءات التحالف الأمنية لتأمين العاصمة المؤقتة.

وفي الوقت الذي كثفت فيه القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من انتشارها في مديريات عدن وبعض مناطق محافظة أبين مثل أحور وزنجبار، جدد المجلس، الأحد، التزامه بتنفيذ اتفاق الرياض الموقع مع الحكومة اليمنية وفقا لآلياته المحددة.

وترافقت التحركات السياسية للمجلس الانتقالي الداعمة لتنفيذ اتفاق الرياض مع إجراءات أمنية وعسكرية تعكس حالة عدم الثقة المتنامية بين الطرفين الموقعين على الاتفاق والتي بلغت ذروتها في أعقاب تحريك وحدات عسكرية تابعة للحكومة باتجاه عدن، حيث استقبل رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، أمس الأول الأحد، قادة اللواءين 11 صاعقة، وتدخل سريع المتمركزين بمحافظة أبين.

ووفقاً لمصادر إعلامية تابعة للمجلس، فقد تطرق الاجتماع "إلى جاهزية اللواءين، والمهام التي يضطلعان بها في إطار الخطة الأمنية المعدة لتأمين محافظة أبين من محاولات غزوها من قِبل ميليشيا الإخوان، أو إعادة إغراقها في أتون الإرهاب الممول من أعداء الجنوب".

ووقف الاجتماع أمام الوتيرة المتصاعدة للأعمال الإرهابية التي طالت الكوادر الأمنية الجنوبية، حسب بيان صادر عن المجلس الانتقالي، اتهم ما وصفه بـ "قوى النفوذ اليمنية بإطلاق خلاياها الإرهابية النائمة في مثل هذه الظروف، سعيا منها لتعكير صفو الأمن والسكينة العامة في الجنوب، بهدف حرف الأنظار لتمرير مخططاتها المشبوهة".

واعتبر مراقبون أن حالة التصعيد السياسي والتحشيد العسكري المتنامية بين الحكومة والمجلس الانتقالي مع اقتراب تنفيذ أي من استحقاقات اتفاق الرياض، تعكس طبيعة التعقيدات التي تحيط بالاتفاق وخصوصا في شقيه العسكري والأمني والنفوذ الذي يتمتع به التيار الرافض للاتفاق الساعي لإفراغه من مضامينه، والاعتماد على رهانات مغايرة من بينها فرض سياسة الأمر الواقع على الأرض.

وفي هذا السياق، قال عزت مصطفى، رئيس مركز فنار لبحوث السياسات، إن أبرز الصعوبات التي تعترض تنفيذ اتفاق الرياض تتمثل في تعمد طرف انتقاء النقاط التي تخدم طموحه الأحادي وتنفيذها من جانب أحادي دون العودة إلى مرجعية التنفيذ والتحقق والإشراف المنصوصة في الاتفاق ومعظم هذه النقاط عسكرية في الغالب وهي محسومة وغير قابلة لتأويلات مختلفة.

ونقلت جريدة العرب اللندنية عن مصطفى قوله إن "التكتيك السياسي الذي يتبعه المعرقلون يقوم على تأجيل الوصول إلى توافق بشأن النقاط التي لا يمكن تنفيذها إلا بحوار جزئي بشأنها وهذه النقاط أيضا غير قابلة لتأويلات مختلفة وإن كان تنفيذها يتطلب نقاشا لبلورتها إلى فعل على الواقع ومعظم هذه النقاط سياسية وإجرائية".

وأكد مصطفى أن اتفاق الرياض صمم على أن الإجراءات العسكرية تخدم الهدف السياسي من الاتفاق، كما الإجراءات السياسية تخدم الهدف العسكري والأمني منه، لافتاً إلى أن أي عرقلة عبر أي من الأسلوبين السابقين قد تكون متعمدة لتفجير الوضع السياسي والعسكري معا خاصة في عدن وأبين وشبوة أكثر من كونها ممارسات للتسويف، إذ لا يمكن القفز لتنفيذ النقاط العسكرية دون السياسية ولا السياسية دون العسكرية.

وعن إمكانية تنفيذ الاتفاق في نهاية المطاف، رجح مصطفى أن ذلك هو السيناريو الأبرز بالنظر إلى أن الاتفاق لم تشبه فجوات تسمح بالنفاذ منها للعودة لخلط الأوراق وتعزيز موقف طرف على حساب الطرف الآخر، كما أن الالتزامات الواردة في خطوات تنفيذ الاتفاق تضع الإجراءات ضمن سلسلة تراتبية غير قابلة للجدل وغير قابلة للتنفيذ الأحادي وفق تفسيرات خاصة بعيدة عن جوهر مضمون الاتفاق حتى وإن مددت تلك الآجال سواء بسبب التعقيدات على الأرض أو الظروف اللوجستية أو حتى محاولات التعطيل، فإن النتيجة المتوقعة هي التنفيذ الملزم وفق نص الاتفاق حتى وإن تم تجاوز هامش زمني معقول ومقبول.

وعبّر مصطفى عن تقديره بأن تجاوز إشكالية محاولة قفز العسكري على السياسي أو العكس خلال التنفيذ واردة في تنفيذ أول ثلاثة بنود شائكة وهي عودة لواء الحماية الرئاسية إلى عدن وتعيين محافظ ومدير أمن عدن وتشكيل الحكومة، بأن تنفذ الثلاثة البنود في نفس التوقيت.

وفي الشمال لا تزال جماعة الحوثي تفاجئ الجميع بتهديداتها المضادّة لمزاج السلام السائد في المنطقة. وهي تهديدات تكتسي طابع المبالغة والتضخيم أملا في تحسين شروط التفاوض في أي مسار سلمي جديد قد ترعاه الأمم المتحدة بمباركة المملكة العربية السعودية.

جاءت تهديدات أطلقتها جماعة الحوثي محبطة لآمال السلام، التي تزايدت في المدّة الأخيرة بشكل غير مسبوق مع تأكيد المملكة العربية السعودية في أكثر من مناسبة فتحها الباب أمام عملية سلمية شاملة تشارك فيها الجماعة المتمرّدة المدعومة من إيران.

وقالت الجماعة، أمس الأول الأحد، إنّها استكملت استعداداتها لشن "هجوم إستراتيجي شامل يشلّ قدرات العدو"، في إشارة إلى التحالف العسكري الذي تقوده السعودية دعما لسلطة الرئيس اليمني المعترف به دوليا عبدربّه منصور هادي.

وجاءت تلك التهديدات غداة إعلان وزير الشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، عن وجود "إمكانية للتوصل إلى تهدئة تتبعها تسوية في اليمن"، مؤكّداً أنّ كلّ اليمنيين بمن فيهم الحوثيون لهم دور في مستقبل البلد.

وتقول مصادر يمنية، إنّ المتمرّدين الحوثيين أحوج من غيرهم إلى السلام في الفترة الراهنة بسبب الإنهاك الشديد الذي طالهم، وبسبب التململ الشعبي في المناطق التي يسيطرون عليها أسوة بما يجري في العراق ولبنان وإيران من انتفاضات شعبية عارمة.

لكنّ الحوثيين لا يرغبون، بحسب المصادر ذاتها، في الكشف عن مواطن ضعفهم والظهور في مظهر المتلهّفين على السلام والمهرولين باتجاهه مخافة أن تُفرض عليهم شروط خلال أي مفاوضات قادمة برعاية أممية، تُفقدهم مكاسبهم على الأرض.

وقال مصدر سياسي، إنّ "تهديدات الحوثيين تكتيك مألوف غالبا ما يُستخدم قبل أي مفاوضات بهدف تحسين شروط التفاوض"، مؤكّدا أنّ "المتمرّدين سيحاولون خلال الفترة القادمة الإيحاء بجدية تهديداهم من خلال تصعيد عسكري جزئي قد لا يشمل استهداف الداخل السعودي بالصواريخ والطائرات المسيّرة".

وكثيرا ما يحذّر متابعون للشأن اليمني من المبالغة في التفاؤل بالتوصّل إلى سلام في اليمن، وذلك استنادا إلى ارتباط الحوثيين الوثيق بالحسابات والأجندة الإيرانية التي قد تقتضي في الوقت الرّاهن استدامة التوتّر في المنطقة على أمل إشغال خصومها بالصراعات.

ويقول مراقبون، إنّ السعودية بصدد تغيير أسلوبها في التعاطي مع الشأن اليمني والانتقال من استراتيجيا الحرب إلى إستراتيجيا السلام، مع الحفاظ على هدفها الأساسي المتمثّل في سحب البساط من تحت أقدام غريمتها إيران، ومنع تمدّدها في جنوب الجزيرة العربية وما يتصل بها من ممرات بحرية إستراتيجية. ويرى هؤلاء أنّ شرط فكّ الحوثيين لارتباطهم بطهران وأجندتها في المنطقة سيكون حاضراً في أي محادثات ضمن مسار السلام الجديد.

ويقول مصدر سياسي خليجي، إنّ المملكة ترى الظرف مهيّأ الآن لتنفيذ مثل ذلك الشرط أكثر من أي وقت مضى، في ظل الضغوط الشديدة المسلّطة على إيران والمصاعب الاقتصادية الكبيرة التي تعانيها جرّاء العقوبات الأميركية عليها وانعكاسات ذلك على وضعها الداخلي.

وإزاء سياسيات العرقلة ورفض الاتفاقات بأساليب ملتوية لا تحرك حقيقياً من دول التحالف العربي للتعامل بجدية مع الأطراف الرافضة للاتفاقات على استحياء كما هو موقف الشرعية اليمنية من اتفاق الرياض، لهذا فإن طريق السلام باليمن مازال معقداً وبعيداً، ومعه تزداد احتمالات العودة إلى الحسم العسكري شمالا وجنوبا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى