مَن يكسب الصراع على المنطقة؟

> جمال أبو الحسن

> بعد ما يقرب من عقد على زلزال 2011، مازالت المنطقة العربية بعيدة عن الاستقرار. يعرف المتخصصون في الحروب الأهلية أن الأطراف تصل إلى نقطة الإجهاد بعد عدد معين من السنوات. ست في المتوسط، وربما أكثر قليلًا. الحروب الأهلية التي تدور في المنطقة تبدو أحيانًا وكأنها تقترب من هذه النقطة. في اليمن هناك ما يشبه المأزق الممتد منذ ثلاث سنوات. الأطراف خفضت من حدة انخراطها في النزاع. البحث يجري عن مخرج مناسب. في سوريا، الصورة العامة تشير إلى انتصار الأسد، على أن الحرب لم تنتهِ بعد، وربما لن تنتهي في وقت قريب. اللاعبون على الساحة السورية كُثرٌ، ومصالحهم متداخلة ومتضاربة. الأمتار الأخيرة ستكون الأصعب. ربما يستمر الوضع مشتعلًا في هذه الجبهة أو تلك في سوريا لسنوات. في ليبيا، هناك شبه تعادل بين القوى المتصارعة. النزاع منخفض الحدة، ولكنه يشتعل من حين لآخر، ويزيد من حدته تربص الأطراف الخارجية، واستعدادها للانقضاض على المكاسب والمغانم.

تلك هي الجبهات المشتعلة في الشرق الأوسط. على أن الصراع الأوسع على المنطقة يدور بين أربع قوى رئيسية. المعسكر الشيعي بزعامة إيران، ويضم القوى التابعة لها والميليشيات التي تأتمر بأمرها. المعسكر السني المعتدل بزعامة مصر والسعودية. المعسكر الإسلاموي الإخواني، بزعامة تركيا. وأخيرًا، المعسكر الجهادي، الذي يضم «داعش» و «القاعدة» ومَن لفَّ لفهما.

ليس هذا التقسيم من عند كاتب السطور. هو تحليل مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، الذي يصدره في تقرير سنوي، ويُعد إطلالة مفيدة وواقعية على أحوال المنطقة. من المثير للانتباه أن تقدير المركز يذهب إلى أن المحور الشيعي ينتصر ويتمدد، حتى بعد الضربات التي تتعرض لها إيران، بداية بالعقوبات وانتهاء بقتل الجنرال «سليماني». لماذا؟ يرى التقرير أن المحور الشيعي يُظهر قدرًا أكبر من التماسك بين عناصره. ويتحرك على أكثر من جبهة في المنطقة (العراق/ سوريا/ اليمن/ لبنان)، ولديه رؤية أكثر وضوحًا لما يريد أن يفعله في تشكيل نظام إقليمي تابع لإيران ومناوئ للغرب. في المقابل، مشكلة المعسكر السني المعتدل أنه لا يملك رؤية موحدة دائمًا. تتحالف مكوناته في بعض المناطق والقضايا، وتختلف في أخرى. هو فشل حتى الآن في تكوين جبهة موحدة للتصدي لطهران. أما المعسكر الإسلاموي الذي تقوده تركيا، ومعها قطر، فيضم بقايا الإخوان المسلمين وأحزابًا رسمية مثل النهضة في تونس. والحاصل أن تأثيره في المنطقة قد وهن بشدة، وإن كانت الفكرة الأساسية التي تحركه «الإسلام هو الحل» مازالت تحظى بتأييد في الشرق الأوسط. وأخيرًا فإن المعسكر الجهادي قد تضعضع تحت وطأة الضربات لـ «داعش» و«القاعدة»، ولكن السلفية الجهادية مازالت تجد مؤيدين في العالم الإسلامي.

الرؤية التي يطرحها التقرير مثيرة للانتباه لأنها تعترف بقوة المحور الإيراني. العقوبات الأمريكية -وفقًا لهذا التقدير- غير كافية بمفردها لإحداث التغيير المطلوب في السياسة الإيرانية. لم يعد لدى الأمريكيين المزيد من العقوبات التي يمكن فرضها على إيران، التي يبدو أن اقتصادها، على كل ما يعانيه من صعوبات، يتكيف مع الواقع الجديد. النفوذ الإيراني في سوريا يتجاوز البناء العسكري «خاصة في مجال الصواريخ الدقيقة» إلى التجذر اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا في النسيج السوري. إيران تسعى لخلق منصة تواجد دائم على الأراضي السورية. النظام السوري، ورغم ما حققه من انتصارات ميدانية، سوف يظل مفتقدًا للسيادة الحقيقية أو السيطرة الفعلية على المجتمع والقرار السياسي. سيظل خاضعًا للنفوذين الإيراني والروسي. اقتلاع إيران من سوريا يقترب من الاستحالة.

وبالمثل، تملك إيران أوراقًا قوية للغاية على الساحة اليمنية. هي تتحكم في صورة التسوية النهائية لتضمن تواجدًا شرعيًا للقوة الموالية لها (الحوثيين) في أي تشكيلة حكومية مقبلة.

والحال أن إسرائيل تخوض «حربًا منخفضة الشدة» في مواجهة إيران في سوريا منذ عامين. العمليات الإسرائيلية تتصاعد باستمرار، وهدفها منع تحويل سوريا إلى منصة إيرانية لإمطارها بالصواريخ الدقيقة. التقدير الإسرائيلي أن هذه الجبهة الشمالية، في سوريا ولبنان (حزب الله) قابلة للاشتعال أكثر من أي وقت مضى. وربما تسرع عملية «قاسم سليماني» من إشعال هذه الجبهة، بما يصل إلى مرحلة المواجهة الكاملة خلال هذا العام.

والخُلاصة: الشرق الأوسط أبعد ما يكون عن الاستقرار. الصراع على مستقبله مازال يجري على أكثر من مستوى، وبضراوة شديدة. هناك رؤى تتصارع على هذا المستقبل. مازالت القوى الأساسية التي تملك المفاتيح غير عربية، وإن كان الصراع يجري على أراضٍ عربية.. وفي أغلب الأحوال، تسيل من أجله دماء عربية، وتُدفع فيه أموال عربية.

"المصري اليوم"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى