أطباء بلا حدود والحرب في اليمن: 5 أعوام من تقديم العلاج لمحتاجيه

> كتب أحمد مهات*

>
تحت سفوح التلال السمراء في أقصى غرب صعدة، تقبع قرية ترتفع فيها المنازل فوق المنحدر بعيداً عن الحقول التي في قاع الوادي. ولعل المرء يتوقع الهدوء أو السكون في هذه المنطقة الريفية النائية، لكن ذلك ليس هو الحال دائماً. فالمناطق المحيطة بحيدان تُقصف مراراً، كما أن خطوط القتال ليست بعيدة جداً. لدى منظمة أطباء بلا حدود مستشفى في هذه المنطقة يقدم الرعاية الصحية للسكان الذين كانوا سيضطرون لولاه للسفر إلى مدينة صعدة – أو ربما حتى إلى صنعاء – للحصول على تلك الرعاية. تضع النساء مواليدهن في المستشفى. وتعالج الطواقم المصابين من الحرب والأطفال من الالتهابات الرئوية.

مستشفى حيدان بمحافظة صعدة الدكتور هيثم مع أم وطفلها
مستشفى حيدان بمحافظة صعدة الدكتور هيثم مع أم وطفلها

افتتحنا المستشفى في أبريل 2015 وكانت الحرب في اليمن في بدايتها. كانت القنابل كثيراً ما تسقط على القرية حينها، وأبلغْلنا التحالف السعودي عن موقع المستشفى. مع ذلك فقد قُصف المستشفى في أكتوبر 2015. لحسن الحظ تمكن أفراد طاقمنا ومرضانا من الخروج دون أن يتضرر أحد. لكن للأسف لم تكن تلك المرة الأخيرة التي تقصف فيها مستشفيات لأطباء بلا حدود خلال المعارك – فمن ذلك الحين قصفت مستشفياتنا خمس مرات أخرى، وفي بعضها تسببت بمقتل أفراد من طاقمنا أو مرضانا.

هذا ما نفعله في أطباء بلا حدود – نقدم الرعاية الصحية للذين يحتاجونها بشدة في أماكن النزاعات حول العالم. تأسست منظمتنا عام 1971 على يد مجموعة من الأطباء والصحفيين أرادوا أن يعالجوا الناس الذين بحاجة ماسة للمساعدة الطبية في مناطق الحروب أو تفشي الأوبئة أو الكوارث الطبيعية، وإخبار بقية العالم عن محنتهم. من حينها عملنا في مناطق مثل إثيوبيا ورواندا والشيشان، وذهبنا إلى أماكن تحفها المخاطر لا يمكن لمنظمات أخرى الوصول إليها، لعلاج الجرحى والمرضى ونقل قصصهم. ولا يختلف الوضع في اليمن عن ذلك – من عدن في الجنوب إلى صعدة في الشمال، ومن مأرب في الشرق إلى المخا في الغرب، تعمل فرقنا في ظروف صعبة وخطرة لتعالج اليمنيين المحتاجين للعلاج. وعلاجنا مجاني بالكامل.

مستشفى السلخانة في الحديدة ريويتشي تاكيجامي ، الجراح (يسار) ، داخل غرفة العمليات ، خلال عملية جراحية لطفل سقط من سقف
مستشفى السلخانة في الحديدة ريويتشي تاكيجامي ، الجراح (يسار) ، داخل غرفة العمليات ، خلال عملية جراحية لطفل سقط من سقف

على سبيل المثال، يعالج مستشفانا في عدن المصابين من جميع مناطق الجنوب – وتَعجب حين تقابل الناس هناك وقد تجشموا عناء السفر من الحديدة أو من شبوة ليُحضروا أحباءهم لتلقي الرعاية التي يحتاجونها مع عدم وجود مكان آخر يذهبون إليه. بالطبع ليس من السهل دائماً أن تدير مستشفى في عدن – في عام 2015 بقي مستشفانا مفتوحاً حتى أثناء أعنف المعارك، حيث أصابت الأعيرة النارية المستشفى ورُكِنت دبابة في الجوار. ويروي أفراد الطاقم الذين عملوا هناك خلال تلك الفترة كيف اهتز المبنى من الانفجارات، وواصل المرضى المجيء إلى المستشفى على مدار 24 ساعة يومياً. الوضع حالياً أفضل لكن موظفونا مازالوا يقدمون الرعاية المنقذة للحياة لأشخاص إما أصيبوا بأعيرة نارية أو جرحوا نتيجة انفجارات أو أصيبوا بحوادث مرورية.

نقوم بعملنا ذاك بناءً على معيار واحد فقط: ألا وهو الحاجة للعلاج. لا نكترث لهوية مرضانا أو من أي مكان جاؤوا. ما يهمنا هو أننا نعالج المرضى الذين بحاجة للعلاج وأن نعالجهم بشكل جيد.

مستشفى حيدان في صعدة حيث يقوم الدكتور سيني بفحص سلوى التي لا يمكنها التنفس بشكل صحيح
مستشفى حيدان في صعدة حيث يقوم الدكتور سيني بفحص سلوى التي لا يمكنها التنفس بشكل صحيح

أول ما عملنا في اليمن كان في عام 1986، كما عملنا بشكل متواصل منذ عام 2007 إلى الآن. في البداية كنا نعالج المتضررين من حروب صعدة ثم وسعنا نشاطنا إلى عدن في عام 2011. ومنذ بداية هذه الحرب في 2015 عملنا في مختلف أنحاء البلاد.. من القرى الصغيرة إلى المدن الكبرى، وعالجنا الناس من إصابات الحرب وكذلك من الأمراض كالكوليرا وغيرها. اليمن الآن من البلدان التي لدينا فيها أكبر العمليات: من بداية الحرب إلى الآن عالجنا 160,000 جريح حرب في مرافقنا ومرافق ندعمها. أجرينا أكثر من 100,000 عمل جراحي وساعدنا في ولادة أكثر من 90,000 طفل. لدينا أكثر من 2,500 موظف وهناك أكثر من 1,100 من موظفي وزارة الصحة يعملون معنا.

تُظهر هذه الأرقام حجم الاحتياجات في بلد يعاني من انهيار النظام الصحي. فالمستشفيات تنقصها الأدوية والمعدات والوسائل اللازمة للعمل. والطواقم الطبية لا تتلقى رواتبها بانتظام، هذا إن تلقته. يضطر الناس الآن لقطع مسافات طويلة للحصول على الرعاية الطبية، وبسبب الوضع الاقتصادي لا يكاد أحد يطيق تكاليف السفر التي باتت فوق طاقة معظم الناس، ما يعني أن المرضى غالباً ما يصلون إلى مرافق الرعاية الطبية بعد فوات الأوان، إن تمكنوا من الوصول. نفعل ما بوسعنا لكننا نعلم أنه بالرغم من ذلك يوجد الكثير من المناطق والكثير من الناس الذين لا يمكننا الوصول إليهم.

ناصر ، 14 عاماً ووالده محمد عبده ، ينتميان إلى مفرق المخا أصيب هو وعمه  في لغم أرضي في أحد الحقول
ناصر ، 14 عاماً ووالده محمد عبده ، ينتميان إلى مفرق المخا أصيب هو وعمه في لغم أرضي في أحد الحقول

إن المصاعب التي نواجهها في اليمن للأسف لا تتعلق فقط بخطر العنف على طواقمنا، بل تعترض عملَنا أيضاً قيودٌ إدارية وبيروقراطية متزايدة في بعض أجزاء البلد تحول دون أن نقوم بكل ما نريد للوصول إلى الناس الأكثر احتياجاً. ونأمل أن تُرفع هذه القيود في القريب العاجل.

مركز خمر لعلاج الكوليرا بتعز
مركز خمر لعلاج الكوليرا بتعز

في هذه الأثناء نواصل العمل ولا ندع الصعوبات توقفنا. افتتحنا مستشفى جديداً في المخا أثناء المعارك التي كانت تدور حول الحديدة في 2018، كما بدأنا مؤخراً دعم مستشفى في الضالع. أعدنا بناء مستشفى حيدان، ومستشفانا في صعدة الذي قصف في عام 2015، وسنبدأ هذا العام أنشطة جراحية في قسم جديد في المستشفى يتم إنشاؤه حالياً. نتطلع إلى اليوم الذي تعود فيه حيدان قرية هادئة في الريف اليمني الجميل. وحتى ذلك الحين سنكون مع الشعب اليمني أينما احتاج إلينا.

*رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في اليمن​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى