سلطة تفويت الفـرص.. انظروا

> صلاح السقلدي

> قالتْ الحكومة اليمنية، المدعومة سعوديا، إن الإعلان الذي أصدره المجلس الانتقالي الجنوبي، فجر السبت الماضي، بخصوص الإدارة الذاتية للجنوب يمثّل انقلاباً على شرعيتها وعلى اتفاق الرياض. هذا الاتفاق الذي رفضت هذه الحكومة التوقيع عليه بشدة في بادئ الأمر، ومن ثم ما طلتْ بتنفيذه حتى هذه اللحظة، معتبرته هو الآخر انقلابا على شرعيتها، وتمنعت التوقيع عليه شهرين كاملين، ناهيك عن تمنعها لقاء القيادات الجنوبية بجدة والرياض.

يقيني أن هذه السلطة باتت اليوم على استعداد لتنفيذ هذا الاتفاق، أو لنقل لتنفيذ بعض بنوده كانحناءة للعاصفة التي تضعضع أركانها وتهد من حيلها المتداعي، ولتتدارك ما هو أسوأ من إعلان الانتقالي الأخير، ليس لأنها باتت مقتنعة به أي اتفاق الرياض، ولا لأنها ستنفذ كل بنوده، بل لأنها أدركتْ كعادتها أن ما ترفضه اليوم طوعاً ستقبله غداً عنوة بعد أن يكون الوقت قد فات، فهي تجيد إهدار الفرصة وتبرع بتفويت الحلول، وتتقن التنصل ومسخ أي مشروع سياسي بعد أن تقبله على مضض، كونه يقوّض من فسادها وهيمنتها ويسلبها أدواتها التقليدية الرتيبة التي تدير بها البلاد منذ عشرات السنين.

فمثلاً غداة احتلال الجنوب في يوليو 94م تنصلت هذه السلطة من المشروع السياسي الطموح "وثيقة العهد والاتفاق"، -برغم قبولها إياه على مضض أيضا وتبنيه من فوق الطاولة وترفضه من تحتها تماما كما تعاملت مع اتفاق الرياض، وهذا المشروع، أي وثيقة العهد والاتفاق، شكل مخرجا للجميع كنتاج جهد سياسي وإجماع وطني قلَّ نظيره بالتاريخ المعاصر- بعد أن اعتقدت أن مجرد الحسم العسكري بعد سيطرتها العسكرية على الجنوب قد دانت لها البلاد من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها، وأن الشعب بالجنوب قد حُــشرَ بداخل عسيبها، مع أنها في البداية رفضت التوقيع على ذلك المشروع "وثيقة العهد والاتفاق"، ولكن حين اشتد حول رقبتها حبل الضغوطات الشعبية والنخبوية والعربية، قبل أن تتقلب عليه لاحقا بالطريقة الدراماتيكية التي نعرفها، ودخل على إثرها الجنوب دوامة العناء والعسف.

وفي غمرة ذلك الوضع الاستحواذي التعسفي المتسلّح بالمنطق التدميري: (هزمناكم هزمناكم...) والذي سفع وجوه النخب السياسة والحزبية والاجتماعية وعامة الناس بالجنوب، انبجست من صلبه ومن بين ركام الدمار وغبار المدافع مبادرات سياسية جنوبية مخلصة تتلمس طريق المستقبل للجميع، ابتداءً من مبادرة إصلاح مسار الوحدة التي أطلقها عدد من قيادات الحزب الاشتراكي بقيادة المناضليَــن الكبيرين: د.محمد حيدرة مسدود وحسن أحمد باعوم وغيرهما من الشخصيات الحزبية والوطنية، ولكن كان الرد من الطرف الآخر هو الاستهزاء والتكبر، معتبراً تلك المبادرة حيلة للعودة الى السلطة. تلتْ تلك المبادرة مبادرة أخرى هي المصالحة الوطنية، وكان الرد مشابها للرد الأول ومضافا له أنها مبادرة مَــن فِــقدوا مصالحهم من أصحاب المال المدنس عناصر الردة والانفصال. وغيرها وغيرها من المبادرات الجنوبية التي جُوبهت كلها بالصد وتصعير الخدود.

ظل الحال يراوح مكانه من سياسة النعجهية ونكران القضية الطافية إلى السطح "القضية الجنوبية " فضلاً عن الاستعداد لحلها. حتى اندلعت الثورة الجنوبية بشكلها الشامل عام 2007م، لتعصف بالغزاة وفلسفتهم السبئية الإقصائية النهبوية، وحينها بدأت تلك السلطات تعض أصابع الأسف وأنامل الأسى على تفويت فرص التجاوب مع الطرف المهزوم الذي تحول إلى مارد تم إيقاظه من سباته، وشرعتْ تلك السلطات بالحديث عن المفردات التي رفضتها ذات يوم ومنها المصالحة الوطنية وإصلاح ما يمكن إصلاحه، وأن الوطن يتسع للجميع والنظر بالمظالم ومحاسبة، ولكن بعد أن فاتها قطار العقل، وبعد أن استجد بالأمر جديد على طول الوطن وعرضه، وبعد جرت تحت الجسور مياه غزيرة داخليا وإقليميا.

اليوم تكرر هذه السلطة والتي هي اتساق وامتداد لسطلة 94م ذات الأخطاء وتتعاطى بذات العقلية المتكلسة وتفوت ذات الفرص التي طُــرِحتْ منذ بداية حرب 2015م، ابتداءً من فكرة الشراكة المؤقتة بالحكم التي ما لبثت أن قلبت لها ظهر المجن، وصولاً الى اتفاق الرياض الذي اعتبرته كما أسلفنا مؤامرة عليها وانتقاصا من شرعيتها المزعومة، بل واعتبرت مجرد مصافحة قيادات جنوبية خطيئة لا تغتفر، مع أنها، أي تلك السلطة، ذهبت حتى بلاد إسكندنافيا لحوار الطرف الذي تقول أنها تحاربه (الحركة الحوثية والمؤتمر الشعبي العام). وها هي اليوم كعادتها وفي الوقت الضائع تتوسل تنفيذ اتفاق الرياض خشية من المجهول الذي صنعه غرورها وانتجته غطرستها الاستعلائية التي جبلتْ عليها طوال عقود من الزمن، وتسعى الآن عبثا أن تتقفى واقعا قد صار أثرا بعد عين وذرته دوامة الغرور، وطمسته رياح التطورات المستجدة اليوم بالجنوب.

وعطفا على ما سلف فإن رفض هذه السلطة لقرار الانتقالي بالإدارة الذاتية للجنوب ستقبل به ذات يوم ولكن بعد أن يكون الوقت قد مــرَّ من أمامها مرور الكرام وهي فاغرة، فأهها تلوك عبارات الرفض وخطابات التزمت.. تذكروا هذا جيداً، فالتجارب شهودٌ عدول، والأيام بيننا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى