يمنيون عالقون في الخارج ومحاصرون في الداخل

> في 20 مارس 2020م، غردت "ليس مستبعداً أن يضرب فيروس كورونا بلادنا، وإذا ما حدث فإن كارثة الحرب العبثية ستبدو تبعاتها ضئيلة، وقف الأعمال الحربية وكافة التحركات المصاحبة في كل اليمن واجب أخلاقي على كل إنسان الدعوة إليه فوراً دون شروط ولا تردد. أنقذوا اليمنيين من أنفسهم!".

وفي 21 مارس، غردت ثانية "أتفه ما يتداوله كثير من المدونين اليمنيين، ومنهم من هو مدفوع الأجر، هو اللهث وراء اصطياد أخطاء طرف أو آخر في مواجهة كارثة كورونا. المحزن أن لا أحد منهم يدعو إلى وقف الحرب ليتفرغ اليمنيون لإنقاذ أنفسهم من الطرفين الآثمين!".

كلنا يتابع ما يقوم به موظفو الشرعية عن بعد وعبر وسائل الاتصال الاجتماعي ومجموعات "الواتساب" الوزارية والرئاسية والبرلمانية والسفارات، وهو جهد أقل ما يوصف به أنه مضحك، ولكنه تعبير عن مدى تخليهم عن المسؤوليتين الأخلاقية والوطنية، ولا يمكن لأي عاقل تبرير هذا التخاذل واللامبالاة بأن سببه هو عدم تنفيذ "اتفاق الرياض"، لأن من غير الممكن أنهم ممنوعون من العودة إلى مأرب أو حضرموت أو المهرة، وكان ذلك بمقدورهم لو رغبوا، أو على الأقل أن يعود وزير الصحة لأنه افتراضيا مسؤولٌ عن صحة المواطنين قدر اهتمامه بصحته وأسرته وأصدقائه في الواتساب، والحديث عنه هو بالضرورة موجّهٌ لبقية الموظفين من زملائه الموظفين في مجموعة الواتساب الخاصة بمجلس الوزراء.

هذه الشرعية التي تستجدي الكون ليعيدها إلى عدن بعد طردها من صنعاء قبل ذلك، تدار عبر مجموعات واتساب منذ خمس سنوات، وطبقت حرفياً سياسة التباعد الاجتماعي عن الوطن والمواطنين مكتفية بالتسريبات وما يغرقنا به إعلاميوها مدفوعو الأجر للحديث عن منجزاتها النظرية، والمصفوفات و"الإنفوغرافيك"، واستغنت عن سماع المواطنين والتعرف عليهم بأن صارت تكتفي بالحديث معهم ومع أصدقائها في مجلس الوزراء عبر الوسائل الحديثة وشاشات الأجهزة الإلكترونية.

منذ أسابيع، واليمنيون في الداخل والخارج لا يعرفون من هي الجهة التي يمكن أن يلجؤون إليها، بعد أن قرر قادة الحرب مواصلة القتال لتوسيع نطاق مساحات سيطرتهم، وليس كافياً تحميل مسؤولية فشلهم في إدارة البلد إلى عدم تنفيذ "اتفاق الرياض"، ولكني أسأل ما علاقة هذا الاتفاق بعدم الاهتمام بالعالقين في الخارج والذين لم يعد معهم ما ينفقون ويرغبون فقط في العودة إلى البلاد في أسرع وقت، ولا يليق أن يصدر موظف في الخارجية تصريحاً ليبرأ نفسه من المسؤولية بأن السفارات ستقوم برعاية هؤلاء وهو يعلم أن أغلب السفارات ليس بمقدورها سداد فواتيرها الشهرية ومرتبات الموظفين المحليين ناهيك عن الدبلوماسيين.

أنا على يقين أن أحاديث مجموعات الواتساب الرسمية لا تتناول هذه القضايا ولا كيفية معالجة أوضاع العالقين في الخارج الذين حولتهم الحرب والسياسات الحكومية الفاشلة إلى متسولين ومنبوذين في البلدان التي تورطوا بالوصول إليها، لكنها تركز على السؤال الأهم لدي أعضائها: هل وصل المرتب بالدولار؟

وأعلم أن كثيرين سيقولون إن كل هذه المألات هي بسبب الانقلاب الذي قام به الحوثيون في 21 سبتمبر 2014 ولا أختلف معهم في ذلك، ولكن هذا المنطق يضعف أمام ما نشاهده في عدن التي خرجت منها مليشيات الحوثيين أو في المناطق التي لم تدخلها مثل المهرة وحضرموت وسقطرى.

إن المشاهد التي تنقلها العدسات والتقارير عن أحوال اليمنيين في الخارج والداخل، لا تمنح المرء فسحة ليعقد الأمل في هذه الشرعية التي أدمنت الفساد والكسل والاسترخاء والابتعاد ولم تعد ترغب بالعودة، لأنها أضعف من أن تواجه الواقع والناس ولن تتمكن من مواجهة غضبهم وحنقهم ورغبتهم في الخلاص منها، وهي -أي الشرعية- لم تعد ترى في البلد ما يغريها على زيارته ناهيك عن البقاء فيه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى