استهداف الأمة العربية

> نصر هرهرة

> كان الوطن العربي ومازال كوطن وهوية للعرب، والحركة القومية العربية، بمختلف مكوناتها ومؤسساتها السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، هدفا لتمزيق وطمس الهوية العربية للمنطقة، وتفتيت التضامن العربي في حقبة الاستعمار الأجنبي للوطن العربي، واستمر كذلك بعد إنجاز التحرر الوطني للدول العربية و نشوء وتطور الفكر القومي العربي والأمن القومي العربي والوحدة العربية، وتم السقوط الناعم للحركات السياسية القومية كالناصرية والبعثية والقومية، وبعيدا عن نظرية المؤامرة، فالمؤامرة موجودة وقد يكون ذلك السقوط المدوي راجع لعجز تلك الحركات عن صياغة الاستراتيجيات والسياسات التي تلبي تطلعات الأمة العربية، وعدم قدرتها على منافسة حركات الإسلام السياسي الذي صنع عنوة لمحاربة القومية العربية، وكذا الأفكار والأيدولوجيات الوافدة إلى الوطن العربي وانبهار العرب أمام التطورات التي شهدها العالم بمعسكريه الشرقي والغربي في ظل الحرب الباردة والتطورات التي شهدتها أوربا وأمريكا وشرق آسيا بعد زوال المعسكر الاشتراكي كقطب عالمي في ظل تخلف العرب واعتمادهم على تصدير النفط والغاز وبقية مواد الخام دون تحقيق نهوض صناعي وزراعي وتكنولوجي.

وكانت حركة الإخوان المسلمين هي الأكثر شراسة في عداءها للامة العربية؛ كونها، أي حركة الإخوان المسلمين، حركة عالمية لا تؤمن بالأوطان والشعوب والدول، وقد التقت تلك الحركة مع الفكر الأممي الذي رفع شعاره ضد التعصب القومي والشوفيني وظهور الحركات السياسية التي تتبنى ذلك الفكر في مختلف الدول العربية، وزرعت إسرائيل في خاصرة الأمة العربية التي استفادت من تلك الحركات المعادية للقومية العربية لإضعاف المقاومة العربية لها واستهداف الأمن القومي العربي وتفنن الصهاينة في حربهم ضد العرب، وإبراز مفاهيم جديدة، لتعبير عن هوية بديله للمنطقة (كالشرق الأوسط الجديد) فيما اعتمد الغرب (ما يسمى بالعالم الحر) سياسة جديدة تجاه العرب والمسلمين، خصوصا بعد أحداث برجي التجارة في أمريكا والتفجيرات في شوارع أوروبا وإلصاق تهمة الإرهاب في العرب والمسلمين، فقد راوا أن الحركات العربية الليبرالية التي كانت صديقة للغرب لم تعد تفيدهم في شيء، طالما الإرهاب يخرج من تحت عباءتها؛ فصاغوا سياسية استبدال هذه الأنظمة الليبرالية بحركات الإسلام السياسي التي رأوا أنها هي الخصم المباشر لهم، ولكنها مستترة تحت عباءة الأنظمة العربية الليبرالية الصديقة للغرب، وأن هذه الأنظمة عاجزة عن أن تحمي الغرب من الإرهاب، فاستقر الأمر على سياسة تصعيد الخصم المستتر إلى قمة السلطة بديل للأنظمة العربية الليبرالية من جانب، ومن جانب آخر نقل الإرهاب إلى داخل تلك الأنظمة، لكي ينشغل العرب والمسلمون في حروبهم الداخلية لتأمين أوروبا وأمريكا، فظهر ما سمي بالربيع العربي؛ لكي تنفذ تلك السياسة، وتصل حركات الإسلام السياسي للسلطة، وإثارة الخلافات بين الفرق الإسلامية وتكفير بعضها لبعض، وحلت الكارثة بالعرب شعوبا وأنظمة ودولا ومؤسسات قومية، وبرزت المطامع الخارجية، خصوصا للاستعمار القديم العثماني والفارسي والحبشي، والمستفيد الأكبر من كل ذلك الكيان الصهيوني، وظهر سد النهضة الإثيوبي للتضييق على مصر في أهم منابع النيل الذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد المصري ولمصر بشكل عام، وظهرت الأطماع الإيرانية التي أعلنت عما اسمته سقوط أربع عواصم عربية، وسيطرت إيران عليها، وظهر الصراع الشيعي السني بدعم خارجي، ووصل الإسلام السياسي إلى السلطة في بعض الدول العربية.

أشرت فيما سبق إلى أن هناك مطامعَ خارجية في المنطقة (تركية وإيرانية وحبشية) والمستفيد الأكبر إسرائيل، وهي تلك القوميات التي حاولت مرارا وتكرارا في التاريخ القديم والوسيط والحديث السيطرة على المنطقة لموقعها الاستراتيجي ولثرواتها، وقد كان لها تأثير كبير في تخلف المنطقة عن الركب الحضاري.

التحديات
1 - إن الهجمة اليوم على المنطقة أكثر شراسة، فبعد عدة محاولات لإقامة سد النهضة الإثيوبي، وصراع سياسي وعسكري مع الدول العربية (دول الممر و المصب لنهر النيل) خصوصا مصر والسودان، فالنيل هو هبة الله لمصر وهو شريان الحياة للشعب المصري ورافد أساسي من روافدها الاقتصادية، وهو كذلك لسودان، أنكر الأحباش في بادئ الأمر أي تفكير في هذا السد، بينما كانت الدول العربية ترصد تلك الأعمال الإنشائية التي قامت بها إثيوبيا، وبعد تبادل عدة مخاطبات عبر الأمم المتحدة ظلت إثيوبيا تنكر أي أعمال، لكن الرئيس السادات كان قد أصدر تعليماته لسلاح الجو المصري بقصف تلك المنشآت، واستمرت المفاوضات، وظلت إثيوبيا تتبع سياسية التسويف والعمل في سد النهضة حتى اكتمل اليوم، وكانت هناك عدة مفاوضات لملء السد بالتدريج إلا أن التعنت الإثيوبي مازال مستمر في ملء السد دفعة واحدة، وهذه واحدة من المشاكل التي تتعرض لها مصر رائدة الأمة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، ولابد من حلول عادلة على أساس لا ضرر ولا ضرار بين مصر وإثيوبيا.

ونحن في الجنوب العربي نعاني من موجة هجرة غير شرعية كبيرة من قبيلة الأورمو الإثيوبية، وهي تحمل معها مشاكل كبيرة صحية وأمنية وديمغرافية، إضافة إلى نزوح الصوماليين الكبير، والعيش في وسط المدن وبدون نظام، خصوصا في عاصمة الجنوب عدن، ولا يستبعد تجنيد هؤلاء في معسكرات تتبع تركيا وإيران من خلال الإسلام السياسي المتطرف.

2- التحدي الإيراني الذي اشتد ضراوة بعد ما سميت بالثورة الإسلامية الخمينية حيث أرادت ايران تصدير ثورتها هذه إلى المنطقة العربية وبدأت في إنعاش المذهب الشيعي الاثني عشري في كل دول المنطقة، واحتفل الإيرانيون في ما أسموه سقوط العاصمة العربية الرابعة صنعاء بيد الاثني عشرية الشيعية (بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء) وأنشأت إيران مليشيات مسلحة في لبنان (حزب الله والحشد في العراق والحوثي في صنعاء وميليشياتها في سوريا) وتتحرك في مواقع أخرى من خلال نشر التشيع والتوغل السياسي والاستخباري، حيث أصبح ذلك بارز في المنامة في مملكة البحرين، وتوسع جالياتها في دول الخليج العربي وفي دول المغرب العربي. وقد أصبحت إيران خطر حقيقي يهدد أمن المنطقة، فهي تحتل الجزر الإماراتية طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وتهدد أمن وسلامة دول الخليج والمملكة العربية السعودية والمقدسات الإسلامية، وتقود عناصرها في المنطقة نحو التطرف والتصادم مع السنه ورفع شعارات معادية للغرب، فتقوم تلك المليشيات بحروب سياسية وإعلاميه نيابة عن إيران في عدة اتجاهات، وتهدد بها الدول العربية والإسلامية، وتنقل إليها الأسلحة، خصوصا الصواريخ والطائرات بدون طيار ،وتهدف من وراء ذلك إلى السيطرة على المنطقة واستخدام موقعها الاستراتيجية وثرواتها لمحاربة دول العالم بهدف إخضاعها؛ لتغض النظر عن البرنامج النووي الإيراني الذي قطعت فيه إيران شوطا كبيرا والذي به ستهدد العالم ومنطقتنا بالدرجة الأساسية وانتزاع الريادة العربية لمنطقة الشرق الأوسط.

وهي اليوم وبعد إن مكنت الحوثي من السيطرة التامة على أراضي (ج. ع. ي) وأصبح يشكل تهديدا حقيقيا للملكة العربية السعودية والمقدسات الإسلامية والملاحة في البحر الأحمر الذي تمر فيه حوالي 60 % من تجارة النفط العالمية وبالتالي تهديد الملاحة في قناة السويس، وتشتد الخطورة الإيرانية على مضيق هرمز، وتتلاعب بالقضية الفلسطينية، وتخلق التشققات داخل حركة التحرر الوطنية الفلسطينية فهذه ملامح ومؤشرات واضحة لمشروع إيراني في المنطقة معادي تماما للمشروع العربي.

3- التحدي التركي، وهذا ليس أمر جديد، فالاستعمار التركي المتخلف للوطن العربي ومحاولة طمس الهوية القومية العربية والريادة العربية الإسلامية، واليوم بعد أن أصبحت تركيا عاصمة الإسلام السياسي المتطرف (الإخوان المسلمون وأجنحتهم الإرهابية) فان تركيا بعد رفض قبولها في الاتحاد الأوربي وتصفية النظام العلماني التركي وتحويل العقيدة العسكرية التركية باتجاه منطقة الشرق الأوسط وبتمويل قطري، وبعد ما سمي بالربيع العربي الذي قاده الإسلام السياسي وإسقاط الأنظمة العربية الليبرالية في العراق وتونس ومصر وسوريا واليمن وشعور الأتراك أن هناك ضعف عربي وأنها الفرصة السانحة لهم وباستخدام أحزاب وحركات الإسلام السياسي لتحقيق الحلم التركي في استعادة السيطرة العثمانية للمنطقة، ويستهدف هذا المشروع التركي في المقدمة دولة مصر العربية، فبعد توصيلهم إلى قمة السلطة في مصر اعتقدت تركيا أن العقبة الكبيرة أمامها قد انزاحت لتحقيق مشروعها، لكن الجيش العربي المصري كان قد استلهم ذلك وقام بعملية ناجحة أعادت لمصر الريادة العربية، لكن الأتراك مستمرين في محاولة تحقيق مشروعهم ابتداء من التدخل في سوريا والقبضة الحديدية على إقليم الإسكندرونة ونشر الإسلام السياسي في المغرب العربي الذي كشف الغنوشي فصول مهمة من هذا المشروع والتدخل في ليبيا للسيطرة على ليبيا والتضييق على مصر.

وها هي اليوم قد أصبح تدخلها في اليمن والجنوب العربي واضح جدا ويبدو أن هناك تفاهمات مع إيران على المنطقة عكس نفسة في تفاهمات بين إخوان اليمن والفصائل الإرهابية التابعة لهم من جهة والحوثي من جهة أخرى، فبعد أن كدس إخوان اليمن الأسلحة التي حصلوا عليها من التحالف على أنها لمحاربة الحوثي وسيطرتهم على الحكومة اليمنية وخيانتهم للتحالف العربي بدأت تتضح ملامح مشروعهم من خلال تسليم المعسكرات في نهم والجوف ومارب والبيضاء ودمت، وإدارة فوهات مدافعهم ودباباتهم باتجاه الجنوب، وفتح معسكرات لتجنيد والتدريب بخبرات تركية وتمويل قطري في يفرس في تعز وفي عتق في شبوة وفي المهرة وفي وادي حضرموت، وشحنات الأسلحة التي تتدفق من عدة سنوات اكتشفت بعضها.

إن الأتراك من خلال إخوان اليمن يحاولون السيطرة على ثروات اليمن في تنسيق واضح مع ايران والتقاء الطموحات التركية مع الطموحات الإيرانية، وخصوصا في التضييق على مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية حاملة المشروع العربي وحامية الأمن القومي العربي، وأمن الملاحة الدولية وحاملة شعلة الريادة العربية لمنطقة الشرق الأوسط، والتقت الطموحات التركية مع الطموحات الإيرانية في محاربة التحالف العربي وإخراجه منكسرا من اليمن لكن صمود الشعب الجنوبي وقواته المسلحة ومقاومته البطلة أحبطت تلك الطموحات، على أن المحاولة مازالت مستمرة فهل سيكون التحالف العربي وخصوصا مصر والسعودية والإمارات في مستوى هذا التحدي وإخماده في مهده هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى