معالجة الدين العام

>
لم تكترث حكومات الفساد المتعاقبة لتنامي الدين العام إلى مستويات قياسية مع معرفتها المسبقة بأن الوضع الاقتصادي للبلاد لا  يسمح لها بتحمل حجم هذه الديون وهو واقع يصعب تفاديه بعد أن خرجت الأمور عن السيطرة، وتسببت في أزمات متكررة أثرت سلباً على الميزانية العامة للدولة مع تضاعف حجم الدين  من عام إلى آخر في ظل ضعف الموارد التي حالت دون إحراز أي تقدم في السياسات الاقتصادية والتنموية، وتكمن المشكلة أولاً بأن تلك الأموال التي تعد ديناً على البلاد لا يجري توظيفها في قطاعات تحقق قيمة  نقدية مضافة، بل هي أموال تصرف على مشاريع خدمية يأكل الفساد الجزء الأكبر منها، كما أن تكاليف خدمة الدين العام تمثل معضلة حقيقية بسبب الديون التي تحصل عليها الدولة في الوضع الاقتصادي الذي لا يسمح لها بتحمل حجم هذه الديون، ومن المحتمل أن الدولة لا تدرك أن المساعدات الإنمائية والهبات والمعونات وحجم المبالغ التي تصرف من قبل دول التحالف على الحرب هي الأخرى تعتبر مصدراً رئيسياً لاستفحال الديون وستمثل استنزافاً لرؤوس أموال الدولة ومواردها مستقبلاً، وستتأثر الأجيال القادمة بعواقبها، وفي ظل الحرب يصعب التنبؤ بكيفية استخدام الدين العام بطريقة صحيحة للمساهمة في رفع الناتج المحلي الإجمالي والحفاظ على معدلات منخفضة للفائدة، ولهذا أصبح الدين العام ينعكس بصورة سلبية على مستوى معيشة الناس في ظل توقف المشاريع الاستثمارية في جانب البنية التحتية للخدمات العامة، مما عكس نفسه سلباً على مستوى أداء الخدمة للمواطن، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الأمور خرجت عن سيطرة الدولة نفسها، وسببت وستسبب لها اختناقات وأزمات متكررة ستؤثر على ميزانية الدولة، وستضاعف حجم العجز خاصة إذا تم إجراء مقارنة لمبلغ الدين العام بالناتج المحلي الإجمالي من سنة إلى أخرى، حيث سيظهر تزايد نسبة الدين العام بشكل تراكمي لأنه مرتبط بالزيادة المستمرة في قيمة تدفق الديون التي تخضع لآليات مختلفة من قِبل الدول والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية لأنها تخضع لشروط معينة حسب السياسات المتبعة للجهات الدائنة كما أن بعض الدول تفرض شروطاً حول سعر الفائدة وآجال السداد والضمانات وفترات السماح، فهل يدرك قادة الشرعية والانتقالي أن كل فلس يصرف في هذه الحرب بما فيها رواتبهم التي فاقت الحد المعقول يتم رصدها كدين عام، وأعتقد أن الجميع يعلم كيف لجأت الولايات المتحدة إلى ربط النفط العراقي مقابل سداد ما على العراق من ديون نتيجة لحرب 2003م.

أما المؤسسات والهيئات الإقليمية والدولية تتفاوت شروطها، فمثلاً البنك الدولي يشترط أن تستخدم القروض لتمويل مشاريع التعمير.
إن عدم اهتمام الدولة واعترافها بالنتائج الكارثية لزيادة نسبة الدين العام أو الجهل بخطورته في ظل الظروف الاستثنائية التي يعاني منها الاقتصاد الوطني فيمكن تشيبه قيادة في الدولة بالنعامة التي تدس رأسها بالرمل ولا تسلم بحقيقة أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أهم أسبابها تراكم الدين العام بمبالغ خيالية في ظل عدم القدرة على السداد وما يترتب عليه من أزمات اقتصادية خانقة حالت دون القدرة على اتخاذ قرارات تؤدي إلى استقرار الأوضاع المعيشية، بل نجد إصراراً ينم عن جهل من قِبل حكومة الشرعية على تصعيد الحرب مما يضاعف أزمة الدين العام في ظل محدودية الموارد وانتشار الفساد وانعدام الاحتياطي النقدي مقارنة بنفقاتها المرتفعة وطبع العملة المحلية والمضاربة بها من قِبل مسؤولي الدولة، وما ترتب عليها من تأثير سلبي على هبوط وتدني قيمة ومستوى صرف العملة المحلية بشكل غير مسبوق، وقد أشار تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة إلى أن الدين العام  أرتفع من3.1 تريليون ريال أي ما يوازي 12.7 مليارات دولار في  يناير 2015 إلى 4.9 تريليونات ريال أي ما يوازي 19.7 مليارات دولار في 2017م أي أن الدين العام يمثل مؤشراً خطيراًُ، حيث بلغت نسبته 85 %من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي مما يعني أن فوائد الدين العام حتى 2017 تمثل قيمة تصاعدية هذا دون احتساب قيمة الدين العام خلال عامي 2018- 2019 مع  تصاعد وتيرة العنف، وحسب تقرير البنك الدولي لعام 2019م فقد بلغت نسبة الدين العام 94 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، والدين الخارجي بلغ خلال الفترة نفسها 4.742  تريليون ريال بما يوازي 9.5 مليارات دولار حينها كانت قيمة الدولار تساوي 500 ريال. هذه الديون خصصت لتغطية نفقات الحكومة دون اعتبار لما تمثله هذه الديون من آثار سلبية، وكشف تقرير البنك الدولي أن معدل الناتج المحلي الإجمالي انكمش بنسبة تراكمية مقدارها 39 % في نهاية العام 2014م، وأوضح التقرير أن الحرب في اليمن أدت إلى توقف الأنشطة الاقتصادية على نطاق واسع، وتسريح عدد كثير من العاملين في المنشآت الصناعية والاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى تزايد معدلات الفقر بصورة كبيرة وانهيار شبكات الأمان الاجتماعي الرسمية للأسر الفقيرة، وأوضح التقرير أن 40 % من الأسر فقدت مصدر دخلها الأساسي، وأن التدهور الحاد في أسعار صرف العملة المحلية أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع، وفي معدل التضخم السنوي خلال العام 2018م، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني الكارثي وزيادة سعر سلة المواد الغذائية للأسرة الواحدة وتضاعف سعر السلة الغذائية لعام 2019م بنسبة زيادة تفوق 145% مقارنة بالعام 2015م، وسيتضاعف في النصف الأول من عام 2020م، وإذا ظلت الحكومة تكرر اللجوء إلى الاقتراض لتمويل الموازنة العامة للدولة واتباع مجموعة من السياسات الاقتصادية التي توظف موارد يحكمها التوجه السياسي القائم إضافة إلى الحرب القائمة، والسياسات الاقتصادية الخاطئة المتبعة جعلت كل مواطن مديوناً محلياً وخارجياً، وستدفع ثمنه الأجيال القادمة على حساب التنمية والنمو الاقتصادي في ظل جهل صناع القرار لهذه المعضلة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى