اليمن في مهب المليشيا.. المصائب لا تأتي فرادى

> محمد عبدالله

> لم تعد علاقة المليشيا كسلطة قائمة بالمواطن اليمني تمثل حتى 5 %، هذا فيما يخص معظم الخدمات الضرورية اليومية، غير أنها حاضرة بقوة 100 %؛ في أخذ الجبايات والضرائب، وتنفيذ قانون الخُمس الذي فرضته مؤخرًا.
الأمن هو الآخر يتمثل في حماية مصالح وسلطة المليشيا نفسها وليس المجتمع، فعلى سبيل المثال أصيب 3 مواطنين برصاص الراجع في أقل من 48 ساعة في محافظة إب خلال اليومين الماضيين.

ناهيك عن حالات القتل خارج القانون والذي تقوم به عصابات مسلحة، تنتشر في الأسواق والأحياء والشوارع ونقاط التفتيش التابعة للحوثيين.

أهداف متنوعة
المليشيا ومنذ اجتياحها صنعاء ووصولًا إلى الجنوب؛ وهي تعمل بجهد على تجيير كل "مأساة" لصالح مشروعها الطائفي.
لم تثنها عشرات الآلاف من الألغام التي زرعتها طول 6 أعوام، والتي ذهب ضحيتها أعداد هائلة من القتلى والجرحى معظمهم نساء وأطفال، بل تلقت دعما أمميا للتعاون بشأن نزع الألغام.

تقارير حديثة تؤكد أن 44 بين قتيل وجريح سقطوا خلال الشهرين الماضيين في محافظة الحديدة فقط، نتيجة للقذائف العشوائية والألغام منهم 17 امرأة و4 أطفال على الأقل.
هذا غير الخسائر الكبيرة في الممتلكات التي تخلفها تلك الهجمات العشوائية على المدنيين، في المزارع والبيوت والمركبات وعملية الصيد برمتها.

خزان صافر
السفينة العائمة في البحر أو "القنبلة الموقوتة"، هكذا أصبح يطلق عليها في التقارير الصحفية والأخبار وتقارير المنظمات، لكن تلك التسمية غير مجدية على ما يبدو برغم كارثية المشهد إن تم.
لا الشرعية ولا دول الإقليم ولا الأمم المتحدة ولا المجتمع الدولي ولا المبعوث الأممي استطاعوا إيجاد حل لقضية الخزان العائم.

السفينة ترسو على بعد 7 كيلو مترات من ميناء "رأس عيسى" في مدينة الحديدة، تحمل على متنها ما يقارب مليونا و140 ألف برميل نفط.
تقول التقارير إن آخر صيانة لها كانت قبل اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء بأشهر قليلة، أي في العام 2014م.

التحذيرات بدأت قبل عامين من الآن، لكن الوضع السياسي المعقد في البلد والغامض في الوقت نفسه لم يقدم شيئاً في هذا الإطار.
حدوث الانفجار سيتسبب، بحسب الخبراء، بكارثة أكبر من كارثة "اكسون فالديز" بأربع مرات، والتي وقعت في مدينة ألاسكا الأمريكية 1989.

الحوثيون يدركون حجم الكارثة لكنهم متصلبون أمام الخصوم والوسطاء، غير مكترثين بمخاطر ما سيحدث، نتيجة للتراخي الواضح من قبل المبعوث الأممي (مارتن جريفيثس) ومن يقف وراءه.
تعرضُ الخزان لأي خلل سيشكل كارثة بيئية وإنسانية يصعب معالجتها على المدى المنظور.

سيؤثر على الملاحة الدولية والسواحل اليمنية، وعملية إيصال البضائع والمواد الغذائية والسلع الضرورية.
سيتجاوز ذلك إلى سواحل المدن المطلة على البحر الأحمر ومعظم دول القرن الأفريقي، وسيحتاج الأمر لعقود حتى يتعافى.

انهيار صنعاء القديمة
بالأمس انهارت (سمسرة) تاريخية في حي "الزمر" صنعاء القديمة، وهي من المدن التي أدرجت ضمن التراث العالمي التابع لمنظمة اليونسكو عام 1986م.
وفي العام 2015 تم تصنيف المدينة على أنها معرضة للخطر بسبب الإهمال المتعمد من قبل السلطة، وتم رفع العديد من التقارير بذلك دون أن تحرك سلطة الأمر الواقع المتمثلة بمليشيا الحوثي ساكنا، وكأن الأمر لا يعنيها بتاتا.

الأربعاء 5 أغسطس 2020 انهيار 4 منازل بالقرب من "ساحة بروم" و "الجامع الكبير" وحي "صلاح الدين" أمام أنظار المواطنين الذين اكتفوا بتوثيق مشهد الانهيار.
قبل أسبوع تعرضت مدينة "ثلا" التاريخية في مدينة عمران، وبيوت شبام كوكبان، وحي الأعناب لنفس المشكلة، وكذلك سور صنعاء، بسبب الأمطار الغزيرة وغياب الصيانة والترميم طوال الأعوام الماضية.

دعاء الواسعي مهتمة بالآثار وموظفة في هيئة الحفاظ على المدن التاريخية، أكدت أن بيت الحميدي الواقع في حارة صلاح الدين، انهار بالكامل ليطمر كل الممتلكات بعد أن تم إجلاء السكان.
الواسعي كررت دعواتها بضرورة وجود فريق على الأقل يعمل على توعية المواطنين بأهمية صيانة وترميم تلك البيوت.

سليم عامر، كاتب وسياسي قال، فقط في صنعاء القديمة، تُرمم بيتك، أو تعمل له توسعة يحبسوك، يخرب لا أحد يعبرك.
الباحث أحمد ناجي أحمد كتب، أعبر عن حزني الشديد لسقوط بيت الحميدي، وكذا سقوط بيت عصدة بالقرب من الجامع الكبير.

وأضاف، بيوت صنعاء القديمة تتعرض لأضرار حقيقية بسبب استمرار تدفق الأمطار وطبيعة العمارة، داعيا المهنيين والمنظمات إلى تحمل المسؤولية للحفاظ على المدينة.
رشيد الحداد صحفي، يشير إلى أن معظم بيوت المدينة القديمة كان يفترض ترميمها قبل 11 عامًا، ويضيف إن الإهمال قد يتسبب بتدمير وسقوط حوالي 2542 منزلًا، منها 1467 كانت بحاجة إلى الترميم منذ سنوات.

المشهد يتداعى
ينسحب المشهد برمته على عديد من مدن الجمهورية، بحيث لا أحد يستطيع التكهن بما سيكون عليه الوضع غدًا، غير أن الواقع يقول بأن المواطن سيعاني كثيرًا في بلد مغلق أمام العالم إلا ما يخص المليشيا نفسها.
بالأمس تناقلت وسائل الإعلام تصريحًا قالت إنه لمدير آثار وادي حضرموت د.حسين العيدروس، يوضح أن الأمطار صارت تشكل تهديدًا كبيرًا على العديد من المنازل التاريخية، أهمها (قصر سيئون) الذي يعتبر من أكبر المباني الطينية في العالم.

مدينة زبيد هي الأخرى تعرضت العديد من بيوتها للانهيار، إلى جانب ما تعرضت له "تهامة" من كوارث وفيضانات، حيث أصبح المئات من السكان يبيتون في العراء.
والسؤال هنا متى ستهتم السلطات القائمة بما يجري للناس وممتلكاتهم والمدن التاريخية؟ ومتى ستتحرك هذه الجهات؟ وإلى متى سيظل البلد مغلقا أمام العالم؟!

واقع مثخن بالترقيع
كل ذلك يحدث في مناطق ومحافظات متفرقة منها مأرب وشبوة والجوف، لكن ما يجري في العاصمة صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة المليشيا شيء استثنائي.
شوارع العاصمة صنعاء هي الأخرى تآكل معظمها وخرج عن الخدمة، لتصبح شبه متهالكة ومحفرة، ورغم محاولة "الترقيع" إلا أن ذلك يتم بصورة عشوائية لا تتناسب مع موسم الأمطار.

الجسور والانفاق تحولت إلى بحيرات ممتلئة بالماء نتيجة غياب التصريف والصيانة، وعدم تفعيل مواطير التصريف.

الوضع الإنساني
خلال اليومين الماضيين صرح الصليب الأحمر الدولي أن عشرين مليونا أي ما يعادل ثلثي سكان اليمن بحاجة لمواد إغاثية عاجلة.
وتشير المعلومات إلى أن أكثر من 20 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، منهم نحو 10 ملايين يعانون من الانعدام بشكل حاد.

بالإضافة إلى أن هناك أكثر من مليون طفل يعانون من سوء التغذية، وهو رقم قابل للارتفاع بحسب الأمم المتحدة؛ في ظل استمرار المعارك بين الأطراف المتصارعة وانتشار العديد من الأوبئة منها كوفيد 19.
برنامج الأغذية العالمي هو الآخر أكد حاجته إلى مبلغ 737 مليون دولار، حتى يتمكن من الاستمرار في المساعدات الإنسانية، وتقديم الأغذية لبعض الأسر من أجل البقاء على قيد الحياة.

المشهد مخيف من الناحية الإنسانية، برنامج الأغذية العالمي حذر أكثر من مرة بأن الوضع الإنساني في اليمن في تدهور، وبمعدل خطير قد يخرج عن نطاق السيطرة. مشيرًا إلى أن ذلك الأمر قد يدفع بالسكان إلى معاناة شديدة، سينتج عنها ارتفاع معدل مستويات الجوع في رقعة واسعة من الجغرافيا.
يأتي هذا في ظل تفاقم معاناة النازحين الذين يقدر عددهم بـ3 ملايين، كما أنهم أكثر عرضة للموت نظرًا لوجود الآلاف منهم في أماكن تشكل خطرًا عليهم بسبب المعارك العسكرية، هذا غير ما تسببت به الأمطار مؤخرًا من أضرار.

الألغام قصص لا تنتهي
تعد زراعة الألغام القاعدة الأكثر شذوذًا لدى مليشيا الحوثي ذراع إيران في اليمن، من حيث التفنن في صناعتها بأشكال وعبوات وأحجام مختلفة، حيث استطاعت أن تغرق البلد بالعبوات والألغام التي راح ضحيتها الآلاف.
في مديرية "المخا" فقط، قامت الفرق الهندسية التابعة لمشروع "مسام"، بنزع أكثر من ألفي لغم وعبوة ناسفة منذ منتصف العام 2018، من قرى سكنية و21 منشأة تعليمية، ومن الطرقات والمزارع وآبار المياه.

المرصد اليمني للألغام خلال الأيام الماضية أكد ‏مقتل 4 أطفال وإصابة اثنين آخرين نتيجة انفجار مقذوف من مخلفات الحرب بمنطقة "الحزم" مديرية حريب القراميش في محافظة مأرب.
كما قُتلت فتاة نتيجة انفجار لغم أرضي، أثناء رعيها للماشية في قرية "الرحبة" بمديرية جبل حبشي.

سلطان الجـابري هو الآخر أصيب نتيجة انفجار لغم أرضي بسيارته في منطقة "القـوز" من نفس المديرية في محافظة تعز.
في البيضاء قَتل لغم زرعته المليشيا مدنيين اثنين في منطقة بلاس مديرية مكيرس، كما أصيب ثالث في نفس الحادث.

في المحافظة ذاتها قُتلت امرأة وأصيبت أخرى نتيجة انفجار لغم أرضي بالسيارة التي كانا يستقلانها في منطقة "حوران" بمديرية ردمان.
هذا وكان ‏برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قدم دعما للمركز اليمني لنزع الألغام في عدن خلال الأيام الماضية، تمثل في 36 سيارة 20 منها نوع هايلوكس و8 شاحنات، و8 سيارات إسعاف، و300 جهاز كاشف للألغام.

قرارات شبه ميتة
المؤشرات تقول بأن الأوضاع الإنسانية في تفاقم مستمر، خاصة وأن الاتفاقيات وقرارات الأمم المتحدة لم يطبق منها سوى قانون العقوبات على اليمن، وبعض الشخصيات السياسية، وما دون ذلك غير وارد.
وقد كشف اتفاق السويد بين طرفي الشرعية ومليشيا الحوثي، الفجوة التي تعيشها الأطراف السياسية وبينهما الوسطاء؛ إذْ لم يستطع هذا الاتفاق إطلاق سراح معتقل واحد.

بل ازدادت أعداد المعتقلين وتوالت الخروقات في مدينة الحديدة برغم وجود لجان مراقبة، وهناك تقارير تؤكد أن الخروقات تجاوزت الـ20 ألفاً.
أما القرارات التي بدأت في العام 2014 و15 و16 وحتى العام 2018 و19 جميعها باتت في حكم الميتة، كونها لم تغير من واقع الحال إلّا إلى الأسوأ.

يبدو أن المصائب لا تأتي فرادى في اليمن، ولعل الواقع السياسي اليوم يعبر عن حالة استثنائية بكل المقاييس في تاريخ هذا البلد المعقد، الذي خرج من عباءة المستعمر "العثماني" قبل 100 عام لتجثم عليه "الإمامة" أكثر من 3 عقود قبل أن تنطلق ثورة 26 سبتمبر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى