الجماعة عندما تفتك بك

>
* مَن يقلب في شريط ذكرياته خلال حقبة ما بعد منتصف تسعينيات القرن الفارط، وهي فترة احتدمت بصراع عفاش/ الإخوان على حلّ المعاهد العلمية ودمجها بالتعليم النظامي، وفي الخاتمة رضخ الإخوان، لكنهم اشترطوا الإمساك بحقيبة التعليم، ومذّاك تهلهل التعليم، وأصبح المنهاج الدراسي طارداً للطالب من بيئة الدرس، وأمرّ منه ازداد تفسخ علاقة الطالب بالمعلم وهلمجرّا.

* بالتزامن مع ذلك، تفاقمت حدّة الصراع لتنحو صوب الاستقواء بالطائفة الدينية الجهوية، فجاءت المعاهد الزيدية/ الشيعية وإلى جانبها السنية، حدث هذا بتشجيع ومشورة الخارج، لأنهُ في أصل استراتيجيته مفاقمة هذا النزوع في المناطق المستهدفة، وذلك تحضيراً لخوض حروب الجيل الرابع على أراضيها لاحقاً، ومع تفاقم تسرب الطلاب من المدارس، ومع تزايد تشرذم الخطاب الديني المتشدد، فقد أصبحت البيئة خصبةً بهذا الجيل المشتت، وأكثر تهيؤاً للتعاطي مع الصراعات وخوضها.

* في الوقت عينه، لم يعد من العجب أن ينبوع المخدرات أخذ بالتدفق صوب جغرافيتنا بغزارةٍ، ومعينهُ اليوم لا تنضب، وهو جزء من طبخةٍ جرى توليف كل مستحضراتها من بقالات العرّابين الكبار في الخارج، حتى الدمى التي تقوم بالترويج، والدمى الأكبر التي تنهض بدور الحماية للدمى الأصغر تمّ توفيرها، وبيئتنا أصبحت جاهزة تماماً للتعاطي مع هذا الواقع بكل توليفته كما نعايش الآن.

* في قريتي الهادئة، وهي تنام بِدعةٍ على ضفاف البحر المترامي الزرقة، وتعاقبت أجيالها في وئامٍ ومحبة، وكانت تُظللهم صلة القربى الوطيدة فيما بينهم، اليوم من جيلها الفتي مَن يتمنطق بالرشاش والمسدس يتوسط خاصرته وبزهوٍ، والشاب على الرغْم من شبه أميته، فهو يتحدث متبجحاً عن صراعٍ لا يفقه خلفياته، ويتشدّقُ بالتخندق في صفوف الشرعية أو.. أو..، ومن العجب أنهُ لا يفقه مطلقاً ماذا تعني مفردة الشرعية كاصطلاحٍ سياسي!

* هكذا وصل الحال بنا، والسبب لأنّ التعليم اختلّ، حتى الدين شابهُ اللغط، فكل فصيل يرى أنه الأصوب وحسب، والمخدرات أصبحت من مألوف الحياة، فلم يعد يخجل من يتعاطى الحبوب المخدرة أو الحشيش وخلافه، حتى أهله لم يعودوا يستعيروا منه، كما ولا عجب أن مُروج المخدرات عند ضبطهِ يتمّ الإفراج عنه فوراً بأمرٍ من مسؤول أو نافذٍ! وقلنا هذا الأخير مجرد دُمية مربوطة بخيط وتتحرك على مسرح العرائس.

* لقد ولجنا في الدوامة الجهنمية المرسومة لنا، واليوم هناك جحافل لديهم الاستعداد التلقائي ليمتشقوا البندقية ويقتلوا، والبعض لأجل حفنة ريالات، وآخرون ليعيشوا دور (الرامبو البطل)، والمناخ السياسي محفز لكل ذلك، ويقيد جذوته الإخوان المتأسلمين المنوط بهم بعثرة جغرافيتنا وإنهاكها، وهم يرفضون كل الحلول والخيارات الواقعية المفضية إلى تعميم الاستقرار، والشواهد أمام عيوننا.. أليس كذلك؟!​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى