عجز الشرعية والتحالف في معالجة وضع الكهرباء بالجنوب

> تقرير/ يمينة حمدي

>
نقص الطاقة الكهربائية المولدة محليا يطرح الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن الأهميّة بمكان توفير الاحتياجات المتزايدة من الطاقة لتحسين مستوى معيشة الشعوب العربية، وتحفيز التنمية وتمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين والإنصاف بين الأجيال، كقوى دافعة للازدهار طويل المدى في المنطقة العربية.

تواجه الدول العربية تحديات مشتركة بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وعجز الحكومات عن مجاراة الطلب المتزايد على الطاقة، الناتج عن انحسار مستوى الاستثمار الحالي في القطاع والاضطرابات السياسية التي تشهدها، إضافة إلى التداعيات الاقتصادية لجائحة فايروس كورونا المستجد وإجراءات الإغلاق، التي تم فرضها خلال الأشهر الماضية لاحتواء الفايروس.

وتتجه هذه المشكلة إلى التفاقم نتيجة انعدام الاستقرار وغياب التشريعات والقوانين الجاذبة للاستثمار في هذا القطاع الحيوي الذي لا يمكن من دونه تحقيق أي نمو اقتصادي واجتماعي.

حالة الارتباك

ويسبب انقطاع الكهرباء حالة من الارتباك بالنسبة إلى ملايين المواطنين العرب، إذ يؤثر ذلك سلبيا على مستويات معيشتهم، ويمنعهم عن مواصلة تسيير شؤون حيوية جدا في حياتهم اليومية؛ فمثلا لا يستطيع الطلاب والتلاميذ الدراسة، فيما تتوقف أعمال المصانع والشركات، إضافة إلى انقطاع خدمات الاتصال مثل الإنترنت والتلفزيون، فضلا عن تعطل خدمات أساسية مثل مكيفات الهواء.

وتشكل الطاقة الكهربائية صلب عملية التنمية عاملا هاما وضروريا؛ فتوفير الكهرباء للجميع يجعل المجتمعات أكثر أمنا، ويساعد على خلق بيئة مواتية للاستثمار والصناعات الجديدة، التي تحفز النمو وتوفر فرص العمل وتدعم الاقتصاد بشكل عام.

ورغم أن بعض الحكومات تقول إنها اتخذت عدة خطوات لتدارك المشكلة عبر بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة وتحديث المحطات القائمة بالفعل، لكن لتنفيذ هذه المشاريع عمدت الحكومات إلى رفع تكاليف استهلاك الكهرباء.

 وتأتي زيادة أسعار الكهرباء في الوقت الذي يعاني المواطنون العرب من ارتفاع الأسعار والأوضاع المعيشية الصعبة بسبب أزمات اقتصادية نتجت عن جائحة كورونا المستجد.

وتصدّر المغرب المركز الأول بأعلى تعريفة كهرباء من أصل 15 دولة عربية بحسب الدراسة التي أجراها موقع “غلوبال بيترول برايسز” المتخصص في أسعار البترول والكهرباء على 154 دولة من حول العالم في يوليو الماضي.

 فيما احتل السودان المركز الأول كأرخص دولة عربية في سعر الكهرباء متبوعا بليبيا (6 عالميا) وعُمان (9) والعراق (11) والكويت (12) وقطر (13) ومصر (14) والجزائر (17) والبحرين (20) والسعودية (21) ثم تونس ولبنان والإمارات التي حلت على التوالي في المراكز 36 و39 و40، فيما لم يشمل التصنيف دولا عربية أخرى مثل فلسطين واليمن وسوريا وموريتانيا.

عجز الميزان الطاقي

وفي ظل التوقعات باستمرار النمو السكاني وارتفاع مستويات المعيشة في المنطقة العربية، لا يستبعد الخبراء أن تتسع الهوة بين العرض والطلب خلال السنوات القليلة القادمة، ويزداد الضغط على شبكات الكهرباء العربية المتهالكة.ولاحظ الخبراء أن النمو في الطلب على الطاقة بالدول العربية التي تعتمد على البترول والغاز سيزيد بنسبة تصل إلى 90 في المئة لذلك وجب الاهتمام بالبحث عن مصادر بديلة.

وقدرت الشركة العربية للاستثمارات البترولية (أبيكورب)، وهي مؤسسة مالية تنموية متعددة الأطراف، أن يصل مجموع استثمارات الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال السنوات الخمس القادمة إلى أكثر من 792 مليار دولار أميركي، وبالمقارنة مع تقرير توقعات استثمارات الطاقة للعام الماضي (2019) الذي قدّر مجموع استثمارات الطاقة في المنطقة بما يزيد على 965 مليار دولار للأعوام من 2019 إلى 2023، فقد سجلت توقعات استثمارات الطاقة للأعوام من 2020 إلى 2024 انخفاضا يقدّر بنحو 173 مليار دولار، وفق ما جاء في تقرير “توقعات استثمارات الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” للعام 2020 الذي نشرته “أبيكورب”.

ونتج هذا الانخفاض عن الأزمة الثلاثية التي يشهدها العالم والمتمثلة في الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة فايروس كورونا (كوفيد – 19)، والأزمة النفطية، وكذلك الأزمة المالية المحتملة التي قد تحدث في الفترة المقبلة.

وذكر التقرير أن “الدول العربية تواصل إعطاء أولوية لمشاريع الطاقة الكهربائية لتلبية الطلب المتنامي عليها، لكن نجاح تلك المشاريع يتوقف على تأمين الاستثمارات اللازمة”.

ولفت التقرير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط، لا تزال تعطي أولوية لضمان تلبية ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية على الرغم من تنامي العجز في ميزانياتها نتيجة تراجع أسعار النفط والارتفاع المتواصل في احتياجات التنمية فيها.

ويتابع أما بالنسبة إلى دول مثل “العراق واليمن وليبيا ولبنان، وسوريا، التي تشهد توترات سياسية وحالات عدم استقرار أمني، فإن مهمة تأمين الاستثمارات اللازمة لقطاع الطاقة تعتبر صعبة، خاصة وأنها هي الأخرى تعاني عجزا ماليّا كبيرا”.

فشل الحكومات

ويمثل توفير الكهرباء أحد المطالب الرئيسية لموجة غير مسبوقة من الاحتجاجات التي اجتاحت عدة دول عربية. وألقى المتظاهرون باللوم على فشل الحكومات في معالجة هذه الأزمة بينما ترى معظم تلك الحكومات أن الإسراف في استخدام الطاقة هو السبب الرئيسي وراء الأزمة.

ففي العراق تشهد العاصمة بغداد ومحافظات مختلفة في أنحاء البلاد انقطاعا يوميا للكهرباء ولساعات طويلة، قد تصل أحيانا إلى أكثر من 16 ساعة في الصيف، ما يدفع العراقيين إلى الاعتماد على مولدات الطاقة لمعالجة النقص المستمر في إمدادات الكهرباء.

ورغم توقيع الحكومات العراقية المتعاقبة الكثير من العقود الخاصة بإنشاء المحطات الكهربائية لا يزال العراق يعاني من نقص إنتاج الطاقة الكهربائية، إذ يأتي تكرار انقطاع الكهرباء على رأس شكاوى السكان، وخصوصا آلاف النازحين بسبب ضعف وصول الطاقة الكهربائية إلى المنازل ومخيمات النازحين التي تفتقد إلى المقومات الأساسية للسكن المؤقت.

ويعاني قطاع الكهرباء في العراق عموما من نقص في إنتاج الطاقة منذ عقود جراء الحصار والحروب المتتالية؛ ويحتج السكان منذ سنوات طويلة على الانقطاع المتكرر للكهرباء وخاصة في فصل الصيف، حيث تصل درجات الحرارة أحيانا إلى أكثر من 50 درجة مئوية.

وارتفعت ساعات تقنين التيار الكهربائي بعد العام 2003، في بغداد والعديد من المحافظات العراقية، بسبب قدم الكثير من المحطات إضافة إلى عمليات التخريب التي تعرضت لها المنشآت خلال السنوات الماضية.

وأدى ذلك إلى زيادة في ساعات انقطاع الكهرباء عن المواطنين في بعض المناطق إلى نحو عشرين ساعة في اليوم الواحد. ويستورد العراق 1200 ميغاواط من إيران، كما أنه يخطط لاستيراد الكهرباء من تركيا ودول الخليج العربي، لسد النقص.

ويبلغ إنتاج العراق من الطاقة الكهربائية، وفقا لوزارة الكهرباء 13500 ميغاواط، ويخطط لإضافة 3500 ميغاواط خلال العام الحالي، عبر إدخال وحدات توليد جديدة إلى الخدمة، إلا أن التقديرات تشير إلى حاجة البلد لأكثر من 20 ألف ميغاواط للوصول إلى الاكتفاء الذاتي.

ويقول مسؤولون عراقيون إن تكلفة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، وتراجع أسعار النفط في الأسواق الدولية، جعل الحكومة غير قادرة على توفير التمويل لإعادة بناء المنشآت الكهربائية المطلوبة.

وسبق أن أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن ملف الكهرباء يعدّ أحد أهم التحديات التي تواجه عمل الحكومة الحالية، مشيرا إلى أن الفترات الماضية شهدت إنفاق مليارات الدولارات على هذا القطاع، وكانت تكفي لبناء شبكات كهربائية حديثة، إلا أن الفساد والهدر المالي وسوء الإدارة حالت كلها دون معالجة هذه الأزمة.

دعم المحروقات

ولا يقتصر الأمر على العراق، بل عانت محافظات ومدن تونسية ومنشآت حيوية من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر، بسبب بلوغ الاستهلاك درجات قصوى مع ارتفاع الحرارة في فصل الصيف والاستعمال المكثف للمكيفات الهوائية ووسائل التبريد.

وتراجع إنتاج الكهرباء في تونس، بنسبة 2 في المئة ليبلغ 7238 ميغاواط في مايو 2020 مقابل 7389 ميغاواط، خلال نفس الفترة من سنة 2019، وفق بيانات وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة.

ويتصدر القطاع الصناعي قائمة كبار مستهلكي الكهرباء في تونس بنحو 60 في المئة من إجمالي الطلبات خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2020. كما أكدت الوزارة أنها ستمنح في العام 2020 مشاريع كبيرة لإنتاج بين 400 و500 ميغاواط لمستثمرين تونسيين.

ويدعو صندوق النقد الدولي الذي قدم قروضا للبلاد إلى مراجعة سياسة دعم المحروقات في تونس مع تزايد أسعارها خلال السنوات الأخيرة.

وقال الخبير المالي فهد تريمش في تصريح سابق لـ”العرب” إنّ “عجز الميزان الطاقي في تونس والذي يمثل ثلث عجز الميزان التجاري ليس ظرفيا أو حديثا بل هو نتيجة أسباب متعددة أهمها حوكمة القطاع والحملات السياسية المرتبطة بالاستكشاف والاستغلال وخاصة شح الموارد
والاحتياطات”.

وأرجعت الحكومة التونسية تفاقم العجز الطاقي، إلى عدة عوامل أساسية؛ ومنها ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية بما يزيد على 40 في المائة ليفوق سعر البرميل 80 دولاراً، وتطور حجم الاستهلاك المحلي للطاقة خصوصاً مع تحسن مستوى العيش، وتكثيف استعمال المكيفات والسخانات، علاوة على تقلّص الإنتاج المحلي للنفط بنسبة 40 في المائة، مقارنة بسنة 2010.

وتسعى تونس التي لا تنتج سوى نصف استهلاكها من احتياجاتها في مجال الطاقة، إلى تحقيق الانتقال الطاقي مع بلوغ سنة 2030 بالاعتماد على الطاقات البديلة بإنتاج 30 في المئة من حاجاتها من طاقتي الرياح والشمس.

وفي ليبيا، البلد المجاور لتونس، تسببت الحرب الأهلية التي تعانيها البلاد منذ عام 2011 في دمار واسع، وأصبحت شبكة الكهرباء، التي كانت قوية في الماضي، في حالة يُرثى لها، جراء غياب الصيانة ونقص الوقود في محطات التوليد والحصار الذي تسبب في وقف الصادرات النفطية.

مشكلة متفاقمة

ودفع هذا الامر المئات من سكان طرابلس إلى التظاهر احتجاجا على إخفاقات الحكومة وانقطاعات الكهرباء، التي تصل إلى نصف ساعات اليوم. وانضمت الجزائر في السنوات الأخيرة إلى لائحة الدول العربية التي ينقطع فيها الكهرباء، رغم ما تزخر به البلاد على احتياطات كبيرة من البترول والغاز، فهي عضو بمنظمة أوبك ومورد كبير للغاز لأوروبا.

وأدى هذا الأمر إلى اندلاع احتجاجات شعبية في مختلف أنحاء الجزائر دفعت البعض إلى الحديث عن ثورة كهرباء في البلاد.وأعلنت الحكومة الجزائرية مؤخرا أنها تعتزم بناء عدة محطات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، بتكلفة تقديرية تتراوح بين 3.2 و3.6 مليار دولار، للوفاء بالطلب المحلي المتزايد على الكهرباء وبيعها للخارج.

لا يقتصر الأمر على الجزائر، إذ يعاني لبنان منذ ثلاثة عقود من مشكلة متفاقمة في قطاع الكهرباء ذي المعامل المتداعية، وساعات تقنين طويلة تصل إلى 12 ساعة أحيانا، ما أجبر غالبية المواطنين على دفع فاتورتين، واحدة للدولة وأخرى مرتفعة لأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة، التي تعوض نقص إمدادات الدولة.

إلا أنه ومنذ بداية الصيف، وفي خضم انهيار اقتصادي متسارع، ازدادت بشكل كبير ساعات التقنين مع انقطاع الكهرباء في بعض المناطق إلى نحو 20 ساعة يوميا.

ويُعد قطاع الكهرباء الأسوأ بين مرافق البنى التحتية المهترئة أساسا. وقد كبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية

(1975-1990). ويشكل إصلاح هذا القطاع شرطا رئيسيا يطالب به المجتمع الدولي كما مثّل أبرز مقررات مؤتمر سيدر لدعم لبنان العام 2018. ودأب وزراء الطاقة المتعاقبون على التعهد بتأمين الكهرباء لـ24 ساعة يوميا، من دون أن يتحقّق ذلك رغم إنفاق المليارات.

ويشترط المجتمع الدولي إجراء إصلاحات ضرورية وعاجلة أبرزها الكهرباء للحصول على دعم خارجي يساهم في إحياء العجلة الاقتصادية. وبحسب تقرير لمؤسسة ماكينزي الاستشارية عام 2018، تعدّ جودة إمدادات الكهرباء في لبنان رابع أسوأ حالة في العالم بعد هايتي ونيجيريا واليمن.

وتشهد دول عربية أخرى أزمة دائمة لانقطاع الكهرباء، كقطاع غزة في الأراضي الفلسطينية، الذي يعاني منذ عام 2006 من أزمة حادة، في توفير مصادر الطاقة.

ويحتاج القطاع، إلى نحو 500 ميغاواط، لم يكن يتوفر منها إلا 180 ميغاواط. وتعاني غالبية محافظات اليمن من انقطاع متكرر للتيار الكهربائي، منذ نحو 6 أعوام، بسبب الحرب، وتذبذب وصول الوقود اللازم لمحطات توليد الطاقة، في ظل عجز الحكومة والتحالف العربي عن معالجة هذا الوضع.

وفي سوريا أدت الحرب التي اندلعت عام 2011 إلى إلحاق أضرار كبيرة بقطاع الكهرباء خاصة في محطات التوليد وشبكات التوزيع والتغذية، وألقى ذلك بظلاله على الكثير من تفاصيل حياة السوريين، خصوصا بالنسبة إلى سكان العاصمة دمشق وريفها الذين أصبحوا يعيشون على وقع أزمة خانقة، تتمثل في زيادة ساعات التقنين الكهربائي فضلا عن انقطاعات عشوائية وغير منتظمة في التيار الكهربائي.

كما سلَّطت جائحة كورونا الضوء، على التباينات الشديدة في أنحاء العالم العربي من حيث الحصول على خدمات الطاقة الحديثة والمستدامة بأسعار معقولة.

وتعد الكهرباء ركيزة أساسية لمواجهة حالات الطوارئ المتعلقة بالصحة العامة في الكثير من البلدان العربية لكن الملايين من الناس مازالوا يفتقرون إلى القدرات الأساسية للحصول عليها. وحتى قبل أزمة كورونا التي يشهدها العالم اليوم، لم تكن معظم الدول العربية على الطريق الصحيح الذي يؤدي إلى تحقيق أهداف الطاقة المستدامة الرئيسية، والآن على الأرجح ازدادت صعوبة تحقيقها.

ويقتضي هذا الأمر من الحكومات أن تضاعف جهودها لتوفير طاقة ميسورة التكلفة ومنتظمة الإمدادات وأنظف للجميع، ولاسيما في الدول التي تشتد فيها الحاجة إلى الطاقة من أجل بناء اقتصاد أكثر ازدهارا وصلابة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى