كلنا ضحايا.. كلنا مجرمون

> العنوان هو عبارة قالها خالد صفوان (كمال الشناوي) في فيلم الكرنك، وفيه جَسّد شخصية صلاح نصر رئيس مخابرات مصر في عهد عبدالناصر، وفي دلالاته إسقاط موفّق يتماهى وواقعنا اليوم، خصوصاً وهذا الواقع قد آل إلى ملمح تراجيدي تعكسه كل مجريات حياتنا اللحظة ومدى صلتنا بها.

* مَن يتجوّل بين ثنايا حياتنا اليوم سيصعقه ما بلغناه، فالمخدرات شاعت بشكل كارثي، ومؤشر الجريمة في تصاعد مرعب، والتعليم انهار، وتفاقم مؤشر تسرّب الطلاب، وأصبح مرأى البلاطجة المدجّجين بالسلاح مألوفاً، حتى النظافة العامة انحدر تعاملنا معها إلى الحضيض، ناهيك عن تفاقم غلو خطابنا الديني وتشرذمه...إلخ، أي أننا أصبحنا نخوضُ في مستنقع موحل.

* المشهد العبثي الذي يسحقنا اليوم مُمنهج، ورسم سيناريو خطواته العرّابين الكبار المُستهدفين لبلداننا، وهو ضمن سياساتهم الخبيثة التي وضعها على طاولاتهم مفكرون استراتيجيون كبرنارد لويس وفوكوياما وسواهم، وذلك لتغيير مفاهيم الحروب وأدواتها مع الخصوم، فعوضاً عن ما عُرف بحروب الجيل الثاني، وهي الحرب بالدبابات وحاملات الطائرات والقوات المجوقلة وخلافه، فقد جرى استبدالها بحروب الجيل الرابع، أي الفتك وتدمير الدول المستهدفة من داخلها، وأدواتها هي التدمير الممنهج الذي تنهض به قوى عدة من أصل البلاد نفسها، وهذا ما نعيشه هنا اليوم وفي سوريا وليبيا...إلخ.

* لقد بدأ الفتك بنا في عصب حياتنا وهو ديننا، وبحسب المخطط بدأ التمزيق عبر تشجيع إنشاء المدارس الدينية المتشددة والمتناحرة مع بدايات ثمانينات القرن الفارط، وهكذا تناسلت الطوائف وتكاثرت كالفطر في بلداننا، وكل منها يرى أنه الأصوب، بل منها اليوم من يغتال ويفجر بناءً على فتاوى الإفك، وتخيلوا في مصر أن الإسكافي الذي طعن الأديب الكبير نجيب محفوظ بغية قتله، لم يقرأ روايته (أولاد حارتنا) التي على أساسها تقرر اغتياله بحسب فتوى إفك!

* حقاً لقد كنا في غفلة وما انفكينا، فلم ينبرِ أحد ليتصدّى لشابٍ شاع عنه تعاطيه المخدرات أو ترويجها، أو حتى يُبلغ عنه أهله، ولم ينبرِ أحد لصبي هرب من مدرسته وطفق يتسكع في الشوارع، وكلنا صمتنا على الآباء الذين ينزلون إلى المدارس ليضربوا معلمين لأنهم زجروا أبناءهم، وكلنا لم ننهر من يرمي قمامته في غير موضعها، أو من يطلق رصاصاته عبثاً في الهواء، أو من يتشدّق ويتبجح بالسلاح في الشوارع...إلخ، هكذا تحولت حياتنا إلى مقلب قُمامة مقرف.

* الكارثي أن سلطاتنا رثّة ولصة أيضا، وكل مسؤول فيها لا يهمه إلا ما ينهبه من البلاد ومن ثرواتها، وكلهم كانوا يشعرون أن ثمة مخططا للفتك بالبلاد، لكن أحدا لم ينبه إليه مطلقاً، وكلهم انساقوا في تنفيذه وصمتوا عليه خوفا على كراسيهم التي يقاتلون لأجلها أيضاً، ولذلك انحدر بنا الحال إلى هذا المآل الجهنمي، والقادم يفوقه هولاً وبشاعة كما هو مرسوم، لأننا كلنا استمرأنا دور الضحايا أو الركون إلى مقولة (وأنا مالي)، وبصمتنا تحولنا إلى مجرمين بحق أنفسنا وأولادنا وأسرنا وأوطاننا.. أليس كذلك؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى