على الكويت الخروج من متاهة الانتقام.. الخطر الإيراني على الأبواب

> د. ماجد السامرائي

> الكويتيون حكومة وشعبا لم يكتفوا بطلب العون من أميركا والعرب لتخليصهم من جريمة وتحرير وطنهم من احتلال صدام عام 1990 وتحقق لهم ذلك، بل باركوا الخطوات الأميركية لتدمير الجيش العراقي عام 1991 من جهة، وباركوا تصعيد ودعم مشروع احتلاله عام 2003 من جهة أخرى، للانتقام من ذلك النظام الذي أزيح بقوة الاحتلال، لكن حمى الانتقام الكويتي استمرت لتطال شعب العراق لحدّ اللحظة، رغم ما أصابه قبل الاحتلال من حصار ظالم، ثم بانفتاح ساحة هذا البلد لاحتلال إيراني تجاوزت مخاطره العراق إلى الكويت ودول الخليج الأخرى وفي مقدمتها السعودية.

لا يُلام الكويتيون على مواقفهم، قبل عشرين عاما، لما أصابهم من آثار مادية ونفسية بعد تلك المغامرة الصدامية الحمقاء البعيدة عن أدنى المعايير السياسية والقومية والأخلاقية، دفع ومازال يدفع ثمنها شعب العراق لكن الدوافع والغايات مازالت تختفي خلفها الكثير من الحقائق الغائبة التي لا بدّ أن تغيّر إن توفرت الكثير من القناعات خارج الكويت وليس داخلها.

المهادنة الوسطية الودّية اتبعتها الكويت مع إيران في عهد الشاه لوقوفه عام 1961 إلى جانبها ضد دعوات الحاكم العراقي الأسبق عبدالكريم قاسم بضمها إلى العراق، وتواصلت تلك العلاقة بصورة أكثر حميمية في عهد خميني وخامنئي، حيث انخدعت الكويت كما غيرها بشعارات مزيّفة يطلقها رجال الدين. كما أن الدولة الصغيرة تواجه لأسباب جغرافية سياسية دولتين كبيرتين هما العراق وإيران، لكن ارتياح الكويت بسقوط دولة العراق عام 2003 تحت هيمنة إيران كان مؤقتا. كان الحساب السياسي واهما في اتقاء شرّ الوحش الكبير المفترس بمهادنته، لأنه لا يلتفت إلى تودّد الفريسة الصغيرة التي لا يبقى أمامها سوى الاستقواء والاستنجاد بأشقائها.

رغم مغامرة الكويت بعلاقتها الودّية مع طهران بعد مجيء نظام خميني للحكم عام 1979، لم تتردد في مساندة العراق في حربه مع إيران استنادا إلى قيم الأخوة والشعور بالخطر المقبل، وشكّل شعب الكويت ونخبه رديفا قويا لشعب العراق في مواجهة الغزو المحتمل للعراق عام 1980، لشعورهم الصادق الذي تأكد بعد قرابة العقدين من الزمن هم وأشقاؤهم في الخليج بأن ذات الخطر الإيراني يهددهم اليوم بصورة أبشع مما حصل للعراق.

وقائع التهديدات الإيرانية المباشرة لأمن الكويت قد أصبح ملفها مقلقا للأسرة الكويتية الحاكمة، رغم بقائها على سياسة المهادنة، وتفاعلات الأحداث وتداعياتها في محيط المنطقة ستجيب على بعض الأسئلة حول أسباب المغامرة الصدامية، وفي ذات الوقت يمكن أن تكون درسا للأشقاء في الكويت لينهوا حالة الانتقام من العراقيين، وطي صفحاته المؤلمة التي تُكتب هذه الأيام في القضم التدريجي لمواقع أمن العراق الوطني، لرسم خارطة جغرافية جديدة تغلق منافذه وحدوده البحرية، تقام على واقع حالة انهياره الطارئ الذي سيزول برحيل الحكام الحاليين وأحزابهم الفاسدة، وأن يغلقوا أبواب حسابات المال لشراء ذمم بعضهم، فمن يقبض من بينهم يصمت ومن لا يقبض يصرخ لكي يقبض ولينفذ أجندات إيرانية مخاطرها تتصاعد.

تاريخ متواصل للنظام الإيراني في حياكة مؤامرات تهدف لتخريب الأمن الكويتي واستهداف قياداته لإذعانها، اعتمادا على أيديولوجيا تصدير الثورة ونظرية "المذهب الشيعي الإثني عشر" في خدمة نظام ولي الفقيه، بالاعتماد على أذرعه ومنظماته السرّية التي حوصرت وبُترت في عراق ما قبل 2003 ووجدت في الساحة الكويتية ملاذا مؤقتا على طريقة انتقال العصابات المافياوية حينما تحاصر، حيث عبّرت عن تحديها الشرس بعملياتها التخريبية وتوجيه رسائل الترهيب في أمثلة كثيرة منها محاولة اغتيال أمير الكويت الراحل جابر الأحمد الصباح الفاشلة عام 1985، واختطاف الطائرة الكويتية عام 1986 وسلسلة التفجيرات الإرهابية في المحلات الشعبية الكويتية راح ضحيتها العشرات من المواطنين.

وسائل التغلغل الإيراني في الكويت معقدة وعميقة في البرلمان والإعلام والصحافة، وهي أوسع وأخطر مما يظهر على السطح، اعتمادا على الجالية الإيرانية والتي يعود وجودها لسنوات طويلة سمحت بالتزاوج مع أهل الكويت، وقسم كبير منهم حصل على الجنسية ووصلوا إلى مراكز متقدمة في مؤسسات الاقتصاد والتجارة، وأصبحت لهم علامات تجارية كبيرة إضافة إلى امتلاكهم فضائيات وصحف معروفة.

بعد تراجع التيارات العروبية داخل البرلمان الكويتي في السنوات الأخيرة دخل وكلاء إيران البرلمان بأعضاء ذوي توجهات إسلامية تحت عنوان "القوى السياسية الإسلامية الشيعية" التي تبيح لها طرح المواقف تحت شعار "المقاومة والممانعة ودعم القضية الفلسطينية ورفض التطبيع مع إسرائيل" بالتحالف مع الإخوان المسلمين، وهي مواقف تخدم السياسات الإيرانية، ولا صلة لها بنضال الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه.

اعتقد نظام طهران أن سقوط بغداد تحت هيمنته سيجعل الطريق سهلا لضم الكويت والبحرين، بتسويق كاذب أن هذين البلدين لا يمتلكان غير الإذعان والابتعاد عن السعودية وباقي الدول الخليجية كالإمارات، أو مواجهة موجات جديدة من التخريب والفوضى.

سبق لعضو اللجنة البرلمانيّة لشؤون الأمن القوميّ والسياسة الخارجيّة الإيرانيّة كريم عابدي أن حذّر من اعتماد الكويت على السعودية قائلا "ما حدث من دخول جيوش من دول الخليج إلى البحرين لن يتكرر ولن نسمح بتكراره في الكويت، فظروف وموقع البحرين جغرافيّا وعسكريّا تختلف نهائيّا عن الكويت، ومن حقّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة الدخول إلى الكويت لحماية الشيعة هناك مثلما برّرَت دول من الخليج دخولها إلى البحرين بأنه لحماية السنّة هناك".

استفزازات وتطاول وقح من أعلى هرم السلطة في طهران ضد دول الخليج العربي. حيث ادعى روحاني أن "الخليج ملك لإيران" وأصر قائد البحرية في الحرس الثوري الإيراني علي رضا تنغسيري على أن الدولتين الخليجيتين العربيتين الكويت والبحرين تابعتان لإيران "فالبحرين كانت محافظة إيرانية لعام 1977، والكويت، التي أسماها الكوت، كانت معسكرا للشاه نادر وهذا ما يجعلهما إيرانيتين كما أمر خامنئي باستيطان الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة". ونشر موقع إيراني أخيرا خارطة أرشيفية توضح ضم الكويت إلى إيران ويطلق عليها اسم "عبادان الجنوبية".

هناك توزيع أدوار متقن بين رأس النظام في طهران وأذرعه في الكويت والعراق ولبنان واليمن، لتنفيذ مخطط إثارة الفتنة والفوضى السياسية والأمنية داخل الكويت، في استغلال رخيص لمرض أميرها صباح الأحمد، والإيحاء بوجود انقسامات وصراعات داخل الأسرة الحاكمة لخلافة الإمارة، فيما يواصل مركز الحكم في طهران بعث رسائل تهديد وضغط سياسية وإعلامية مباشرة دون خجل.

وصلت القباحة السياسية أن يعترف النظام الإيراني رسميا بقيامه بعمليات تجسس داخل الكويت، وفق ما يسميه مراقبة ومتابعة الجنود الأميركان وعددهم 13 ألف جندي في الكويت. فقد أعلن أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، محسن رضائي، لقناة الميادين الإيرانية التي تبث من بيروت "جميع القواعد الأميركية في المنطقة تحت مراقبتنا، وحاملات الطائرات تحت سيطرتنا، ونعلم كم سفينة يمتلكون حتى حين يذهب الجنود الأميركيون إلى الفنادق في الكويت والبحرين فإننا نراقبهم". وسبق للقضاء الكويتي أن أصدر أحكاما مشددة على معظم أعضاء خلية العبدلي بعد إدانتهم بتهمة التخابر مع إيران وحزب الله.

عصائب أهل الحق في العراق اتهمت الكويت ببيان رسمي بتورطها بالمساعدة على قتل الجنرال قاسم سليماني ورفيقه أبومهدي المهندس، في بداية شهر يناير الماضي قرب مطار بغداد، وادعائها أن الطائرة المسيّرة انطلقت من الأراضي الكويتية. ما قالته الحركة يتعارض مع ما نشر على لسان وزير الخارجية الإيراني الذي قال إن بلاده ضربت "القاعدة الأميركية التي انطلق منها الاعتداء".

هناك قلق كويتي جدّي من تصاعد خطر إيران، وأصبحت القناعة راسخة حكوميا وشعبيا بأن الكويت لوحدها لا تمتلك إمكانيات ردع جنون العظمة وعقلية التوسع، وقد اكتشف الكويتيون أن سياستهم الوسطية ودبلوماسيتهم العالية مع طهران لم تقلل من هذا الجموح لاختطاف الكويت كما أُختطف العراق. وليس أمام الكويت سوى الالتحام في المصير الخليجي المشترك، سياسيا وأمنيا وعسكريا، ولا يتوقع أحد، تحت شعارات الوهم، ألا يستعين الكويتيون بأصدقائهم الأميركيين، فقد سبق أن بُرّرت لهم الاستعانة بهم لإخراج صدام من بلدهم، واليوم نظام خامنئي متغلغل داخل الكويت وخطره على الأبواب الداخلية.

"كاتب عراقي - العرب"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى