النزوح والحرب بالأدوات الناعمة!

> تفرضُ الحروب على جموع من النّاس بالنزوح القسري إلى نطاقٍ آخر وآمن، وهذا طبيعي، وعلى أهالي مناطق الاستقبال التّحلي بأعلى قدرٍ من الإنسانيّة معهم وقت الحرب، وهذه مسألة إنسانية بحتة، لأنه ليس من الهيّن على المرء هجر دياره وبيئته وعمله واللجوء إلى مكان آخر وهو مُعدم تماماً، وغالباً للنازحين مخيمات تأويهم.

* في عدن اليوم، وهي مُرهقة بالأعباء الثقيلة الوطء التي أرهقت كاهل سُكّانها ومن كل النواحي، فهي بيئة طاردة إن جازَ التّعبير، ومع ذلك يغرقها زحفٌ طاغٍ وممنهج على ما تبقّى من جغرافيتها وبشكل مُثير، بل ومُستهدف كما يتضح، ثمّ إنّ عدن لها خصائص ديمغرافية وجيوسياسية مُتفردة بالنسبة لجنوبنا عموماً، ما يعني أنّ أي هزّاتٍ أو اختلال يجتاح بُنيتها، أو تقويضُ أركان خصوصياتها، فهذا يعني الكثير لجنوبنا ولا شك.

* بالأمس أثارَ الزميل المحامي أكرم الشاطري قضية استيطان (نازحين) لأعالي هضبة شمسان! وهذا صاعقٌ، فلم يقدر ولم يجرؤ الأهالي على السّكن هناك مطلقاً، ثم إنّ الموقع حيوي من ناحية عسكرية بالنسبة للمدينة، فقد عانى سُكانها الويلات من سكن الحوثعفّاشيين في أعالي التباب المحيطة بها، ومن مواقعهم التي حوّلوها إلى مرابض قنصٍ، فقد جندلوا أعداداً من شبابها خلال هذه الحرب، وأحكموا سيطرتهم النارية عليها حيناً من الوقت.

* قبل ثلاث سنوات تقريباً، كنتُ وصديق في مركز بانافع التجاري في البريقة بعدن، وكان بين جمع الناس في الضفة المقابلة للشارع خمسة نازحين أفارقه، واللافت أنهم جميعاً كانوا يتأزّرون بفانلةٍ موحّدة وعلى ظهورهم حقائب موحدّة أيضاً، أمّا الأكثر لفتًا للنظر هو توقف سيارة صالون بمحاذاتهم حصراً، وتمدهم بالمال وتغادر سريعاً، سألني صاحبي مشدوهاً: أرأيت! ما هذا؟! قلت: هو أمرٌ له قراءات ودلالات عدّة يا صاحبي، ولكم أن تتبيّنوها أنتم أيضاً.

* لقد أصبح المواطن العدني مذهولاً وهو يشاهدُ (النّازح) بِسمتهِ البائسة، ولكنه يسكن بشكل ثابت في غرفة فندق، وسعر الغرفة قرابة خمسة آلاف ريالٍ لليلة! ومذهولاً وهو يعايش (النازح) الذي يستأجر بيتاً متواضعاً وبالريال السعودي! كل هذا والتدفق المريب للأفارقة الذين ملؤوا الشوارع بشكل يفوق التصور.

* في تقديري كل هذا يدخل ضمن مُسلسل الإنهاك والإرباك وخلق البيئة المضطربة في المناطق المُستهدفة، وجنوبنا مستهدفٌ من الإخونجيين ومن يقفُ خلفهم، وبالقطع ثمّة ممولون لهذا المُخطط الجهنّمي، إذ لا يعقلُ أن تكون هناك بيئة طاردة كبلادنا ومحافظتنا عدن تحديداً، ومع ذلك تغرقُ بالتّدفق البشري الهائل بِحجّة النزوح، فالغلاءُ هنا في أعلى أرقامه وفي كل شيء، ما يعني أنّ الأمر بحاجة إلى وقفة جِدّية لتدارسه، وبحث خلفيّاته وتبعاته، والأهمّ اتخاذ المحاذير بصدده ومبكراً أيضاً.. أليس كذلك؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى