من يموّل هؤلاء؟

> تزايدت بالآونة الأخيرة ظاهرتا الاختطاف والاعتداءات التي تطال عدداً من المواطنين في عدن وسائر المحافظات، وقد أحجم معها الكثير من الناس عن التضامن مع هؤلاء الضحايا. والسبب هو التعاطي المريع الذي تنتهجه معظم وسائل الإعلام المحلية المختلفة وشبكات التواصل الاجتماعي، وبسبب اختلاط حسابات السياسة بنابل العلاقات الاجتماعية والمصالح الشخصية، ومهنة التكسب المادي.

خلال السنوات الأخيرة، وبفعل المال السياسي والتجاري، تكاثرت المواقع الإلكترونية بشكل مهول، وأضحى معظمها يتعامل مع الأخبار كحُطّابِ ليل تفتقر لأدنى معاير المهنية والمصداقية الإعلامية والصحافية، فضلاً عن عدم التقيد بالقواعد اللغوية، لمجرد تسجيل سبق صحفي، أو لغرض تشويه هذه الجهة أو تلك، أو للنيل من هذه الشخصية السياسية أو الاجتماعية بشكل عدواني همجي لا يكترث بأي تبعات لهذا السلوك الذي يطال حياة الناس وممتلكاتهم ومصالحهم وأعراضهم وسمعتهم. وحين تتضح الحقيقة وتتجلّى بعكس ما ساقته تلك المواقع لا تُكلف هذه المواقع نفسها الاعتذار للضحايا أبداً.

ونتيجة لهكذا تعامل إعلامي معيب متشيطن كاذب أصبح الناس يشككون بكل خبر ينشر حتى وإن كان صحيحاً، وباتوا يحجمون عن أي تضامن وتعاطف مع مَن يتعرض لانتهاك، ولا يبذلون جهداً لمساعدتها، والسبب أن معظم الأخبار المنشورة تتضح فيما بعد بأنها إمّا لا أساس لها من الصحة بالمطلق، أو أنها مبتورة، أو مغلوطة أو مقلوبة رأساً على عقب يتم نشرها لحسابات سياسية أو اجتماعية وأسرية تستهدف جهات سياسية ومؤسسات وطنية أو تستهدف شخصيات وأفراد اجتماعية تجارية أو أمنية أو أكاديمية، وإما لقصد ابتزاز منحط لكسب مالي أو تحقيق هدف معين، وتعمد لإثارة حالة من الشك والتوجس لدى المتلقي من رسالة الإعلام السامية التنويرية.

وهذا السلوك المشين الذي تتّبِعهُ معظم وسائل الإعلام المحلية، وبالذات تلك المواقع والصحف الطارئة على الساحة، والتي تمولها جهات حزبية وسياسية وشخصيات تجارية مسيسة ومتحزبة، لا يشوه فقط الإعلام ويمسخ دوره ويفقده مصداقيته وينال من مهنته، وبالذات تلك المواقع والصحف التي تتمتع بمهنية ومصداقية وتاريخ مشرف، بل يضر شديد الضرر بالمجتمع، وبالذات بالضحايا أفرداً كانوا أو جهات. حيث إنه بسبب هذه الفوضى الإعلامية العارمة التي تجتاح حياتنا اليوم، والتي لا شك أنها تتم بشكل مقصود وممنهج، لأسباب عدة -ربما نتعرض لها بمقالة قادمة- وبسبب هذا التعاطي المعيب مع هذه الظواهر ومع هؤلاء الضحايا، قد أفقد كثيراً من الضحايا حق التضامن معهم، وصادر عنهم حقهم بيد مد العون لهم، وإظهار مأساتهم للعلن وكشف الجناة وردعهم.

فعلى سبيل المثال وليس للحصر: قبل أسابيع ضجّتْ المواقع الإخبارية ومواقع التواصل بخبر اختطاف دبلوماسية يمنية في عدن وذهبت بعض المواقع، وبالذات المواقع التي يمكن أن نطلق عليها اسم مواقع السفري أو مواقع العاجل، وأكثرها مواقع يخجل أصحابها منها ومن أن يسجلوا رئيس أو مدير أو هيئة تحريرها على واجهتها الرئيسية، ذهبت تتهم جهات أمنية وسياسية جنوبية في عدن بأنها تقف خلف عملية الاختطاف المزعومة. وبعد أيام تظهر هذه المرأة في صنعاء. فماذا كان موقف مواقع العاجل؟ لا شيء، وكأن شيئاً لم يحدث، لا اعتذار ولا يحزنون، فقد ذهبت تبحث عن فرقعة جديدة وهلم جرّا!

لا شك بأن ثمة اعتداءات -بمختلف صنوف الاعتداءات- تحدث، وثمة ضحايا يستحقون الوقوف معهم ومؤازرتهم بأزماتهم، كما لا شك أن هناك جهات رسمية سواءً أمنية أو عسكرية أو سواها من الجهات الرسمية والحكومية وغير الرسمية وشخصيات نفاذة سواء موجودة بالداخل أو بالخارج ترتكب جرائم واعتداءات جسمية في كل المحافظات يجب أن يتم فضح تصرفاتهم والتصدي لهم بقوة دون هوادة، دون تحيز أو انتقائية أو استهداف سياسي أو جهوي أو اجتماعي أو فكري، ودون تهوين أو تهويل. كما يجب فضح تلك المواقع الإخبارية والصحف الممسوخة التي لا يقل ضررها عن ضرر الجناة واللصوص والمجرمين والبلاطجة والقتلة وقُطّاع الطرق.

أجيلُ النظر في طول الشبكة العنكبوتية وعرضها بين المواقع الإخبارية ومواقع الصحف وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، ومجموعات شبكات التواصل، والقنوات الفضائية ومواقعها على النت ولا أجد في معظمها سوى غُثاءً كغثاء الصرف الصحي، وألمح فيها قرفاً يثير التقيؤ والاشمئزاز والأسى.. غابة كثيفة من الأكاذيب والتزوير والزيف التي تعبث بالمحتوى الرقمي بتفرعاته: (كتابةً وصوراً وفيديوهات) تدوسه بحقارة، وأشاهد أمامي سيلاً جارفاً من الفتن والضغائن والأحقاد تتوزع في كل الجهات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى