قصة قصيرة.. ذاكرة معلقة

> أوسان العامري

> وصل إلى مسامعها خبرٌ "إطلاق سراح مجموعة من الأسرى". فقالت: أبا محمد هل ما سمعته صحيح؟. نظر إليها والدموع تترقرق في عينيه. ابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم.. نعم ستكتحل عيوننا برؤيته.
ذرفت دموعها وهي تنظر لزوجها الذي كسر الفقد ظهره، فابنه الوحيد يقبع خلف القضبان منذ أربع سنوات بعد أن اختفى اختفاءً قسرياً ظن أنه في عداد الموتى بعد أن فقد الأمل في العثور عليه.

رفعت يديها وهي تجهش بالبكاء لك الحمد يا الله قد استجبت دعائي، وها أنا أجد ريح يوسفي لعل النور يعود لعيني.
في الصباح الباكر تسابق الجيران إليها لتهنئتها. علت الزغاريد، وأقامت وليمة استبشاراً بقدوم ولدها الآتي من عدم.

يا أم محمد سأذهب إلى المطار. ارتدى أجمل ما عنده وكأن اليوم عيد. انبلجت أسارير وجهه، وعادت ابتسامة الفرح التي سرقها الحزن تترنح على ضفاف ثغره.
ودعته ووقفت على باب دارها توزع الحلوى للصغار. تمسك بيدها زجاجة عطر تعانقهم برذاذها.

مرت اللحظات ثقيلة على أبي محمد ومن بين الجموع رمق ولده. لم يستطع أن يتحرك. جثا على ركبتيه والدمع ينهمر. حملوه إلى ولده فضمه إلى صدره، وأخذ يتحسس ملامحه وهو جامد كالصنم دون حراك.
امتلأت الدار بالأهل والجيران عند وصوله وهي تكفكف دموعها، اقتربت شيئاً فشيئاً، كان نحيلاً أشعث الشعر ينطق التعب في ملامحه. عشريني بملامح أربعيني.

جرت خطاها إليه مثقلة بوجع الفقد وهمست له: تعال يا كل المنى. التفت يمنة ويسرة ثم همس بريبة: من أنتم؟
صعقت من هول ما سمعت أمسكت بذراعه: محمدي أنا أمك.

حدق بها ورد بعد برهة: أمي أنا؟. علت الأصوات وارتفعت الهمهمات. محمدي أنا أبوك الذي كسرني فراقك عودتك عودة الروح إلى الجسد. انتظرت مجيئك إلى هذه الدنيا سنين فجئت، ثم خطفوك مني. رموني إلى محطات القهر والانتظار، وهناك كم سألت عنك المارة وشيعتك مرات ومرات ثم أنتحب.
صاح أحدهم دعوه يرتاح إنه متعب. جلس ثم حاول أن يقف فلم يستطع. حاول جاهداً أن يرخي زر عنقه، لكن يده متصلبة يجد صعوبة في رفعها إلى عنقه. يغفو قليلا ثم يفيق مرتعباً لقد صار جسداً فقط. أما الذاكرة فهي عالقة هناك وراء دهاليز السجون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى