تعاسة

> هذا الأسبوع تلقيت رسالة من صديق عزيز مغربي بمناسبة اليوم العالمي للسعادة.
ورغم أن رسالته بريئة من حيث المحتوى والمبتغى، وربما كانت إسقاط واجب إلا أنها أثارت في نفسي الكثير من الشجون.

من أين يمكن أن تأتينا السعادة في وطن مثله مثل القطة التي تأكل أولادها؟
الغلاء ينشب أظافره في أجسادنا، ولا ندري كيف نواجهه بوجوه مكشوفة. الراتب الحقير يطير من الجيب بنفس سرعة طيران (زين العابدين بن علي) إلى السعودية هروباً من ثورة البوعزيزي.

لا يخلو كل بيت في اليمن من العويل والبكاء وسرادق العزاء، الموت ضيف ثقيل على كل بيت، ومن لم يمت برصاص راجع أو بنيران صديقة مات بالحميات الفيروسية، ولا من شاف ولا من دري.
أين هي هذه السعادة في وطن محرم عليك أن تتظاهر فيه للمطالبة بحقك في حياة كريمة؟

أين هي السعادة في ظل أزمة خدمات متعمدة ضاقت حلقاتها، والمطلوب منك أن تقول في الذين يجوعونك ويغتصبون كرامتك ليلا ونهاراً: شاباش.. يا من الرصاصة منكم برقوق ولوز وارتفاع الأسعار بطعم الموز.
أحكي عن قصة مواطن مات من الجوع ولم يجد كفناً يأويه في قبره، فيما أراضي الدولة سداح مداح يقاول بها الفاسدون ويستحوذ عليها الناهبون، ولا حكومة يرتفع لها صوت أمام هذا السطو المسلح وغير المسلح.

فتشت عن السعادة في وطن التعاسة، لم أجد سوى أطفال شوارع يشحتون لقمة العيش، ورجالاً اكتوت أجسادهم من حرارة شمس الضحى بحثاً عن معاش غائب من سنين، بحثت طولاً وعرضاً شمالاً وجنوباً فلم أجد إنساناً طفلاً كان أو كهلاً متلبساً بابتسامة سعادة، فهل بعد هذا كله يحق للعالم أن يبعث لأطفالنا ورجالنا ونسائنا برقية مواساة في اليوم العالمي للسعادة؟

أكتب لكم مقالتي هذه وسط مطاردة شرسة بيني وبين البعوض، ووسط معمعة مع الذباب، وعلى ضوء جوال يصدر أنيناً وتنبيهاً بأن البطارية على وشك النفاد.

ويبدو أن التعاسة وراءنا وراءنا، ففي اليوم العالمي للسعادة توفي صديقي العزيز الشيخ عبد الخالق التميمي في سيئون متأثراً بحمى فيروسية مفاجئة كما جاء في بيان النعي، بكيت بحرقة ولوعة، فها هو الواقع التعيس يضع بيني وبين من أحببت نهاية تراجيدية يصعب تجسيدها سينمائياً، فكيف تطلبون مني ابتسامة سعادة في بيت العزاء؟

أيها العالم السعيد: نحن لسنا منكم ولستم منا، نحن شعب تحكمه عفاريت من الخارج، عندنا سياسيون هم مصدر من مصادر تعاستنا، وعندنا حكومة وظيفتها التنكيد على الناس، لا مياه، لا كهرباء، لا خدمات. على هذا الشعب الموبوء أن يموت بدل المرة مليون مرة جزاء له لأنه يطالب بحقوقه كبقية خلق الله في أرض الصومال.

نعم في اليوم العالمي للسعادة عليك أن تبتلع لسانك، عليك أن تكمم فاهك، عليك أن تموت جوعاً ولا تتألم، عليك أن تستحمل هذه العيشة البائسة، عليك أن ترسل أولادك إلى الشوارع يتسولون ويتوسلون الرحمة، لأن غيرك في الخارج يعيشون بدلا عنك، يقبضون بالدولار نيابة عنك، يمارسون السعادة في الفنادق المكيفة والعقارات الفارهة وبارات من اللي بالي بالك، ولتبق أنت أيها المواطن كبش فداء، أو جسراً يعبرون فوق آلامك في يوم السعادة دون أن تصرخ أو تقول كفاية يا لصوص: "عايز حقي في وطن التعاسة".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى