رومانسية حكومية

> من يعش بلا خيال يعش بلا أجنحة، هذه المقولة ليست من بنات أفكاري، لكنها تنسب للملاكم العالمي المسلم (محمد علي كلاي)، ذلك الملاكم الذي كان يحوم على الحلبة كالفراشة ويلسع كالنحلة ويلدغ مثل الكوبرا (وهذه الأخيرة من عندي)، قبل أن يرسله مرض (باركنسون) إلى مثواه الأخير.
ونحن شعب ليس لنا أجنحة لنطير بآمالنا وأحلامنا بعيداً عن بلاد الجن والعفاريت، لكن الخيال وحده هو الذي يدفعنا لأن نبرر تصرفات الحكومة تجاه أحلامنا من باب التهكم والسخرية الحميدة، لا من باب إضحاك السادة الوزراء بطريقة مبتذلة كما كان يفعل (أبو دلامة).

ترتفع أسعار السلع الغذائية بشكل لا يتصوره عقل مجنون، فلا نتأبط شرا بالحكومة، فنحن تعودنا على أن يكون خيالنا على قدر لحافنا، من هذا المنظور فإننا نتخيل حسن الظن بالحكومة، فهي حكومة زاهدة واعظة، عندما ترفع الأسعار بقرار عاطفي، فهي تهدف إلى إراحة الشعب إلى الأبد.

يمكننا أن نفهم مغزى الحكومة (التاجرة) من رفع قيمة البترول والديزل، فهي لا تريد لنا العيش تحت ظلال التكنولوجيا ورفاهيتها التي تغيب دور (الحمير)، على اعتبار أن حمارك سيارتك، ثم ألم يقل أجدادنا في العصر الحجري: إن الصحة في السير على الأقدام، وليس في أقدام تضغط على مكابح سيارة الألماني (كارل بنز)؟

تقدم الحكومة مسلسل (طفي لصي) في عز الصيف اللاهب، ولا تلتفت لمعاناة من يعيشون في مدينة على فوهة بركان، فنتخيل أن الحكومة تحثنا على إيقاظ الحواس الرومانسية، وتنقلنا على بساط (الجاهلية) إلى حياة الصحراء، حيث القمر يلهب مشاعر (عنترة)، والهواء الطلق ينعش هيام (عبلة) في مضارب بني عبس.

وعندما يترنح الريال اليمني في ملاعب العملات الورقية وفقاً لتكتيك خطة (طالع نازل.. نازل طالع)، فهي بذلك تشجع طريقة القص واللصق التي تدفع بالعاطلين إلى تقليد الحكومة بطباعة العملة الورقية، انظروا كيف تفجر الحكومة في المواطن خيالاً جامحاً تدفعه لأن يكون مزوراً فوق العادة؟

تستولي الحكومة على جميع أصناف اللحوم من كباش بلدي وصومالي ودجاج وحمام محشي بالفريك، لأن هدفها إشعال مصابيح الفكر في رؤوسنا، والتسليم بأن المعدة بيت الداء، لهذا يلتهم حضراتُ الوزراء اللحومَ بأفواههم نيابة عن أفواهنا التي استوطنها العث والسوس، وتتركنا نتخيل بأنها تفعل ذلك حتى لا تغرنا (كباش) الحياة الدنيا.

تطرح الحكومة في صيدليات وزرائها أقراص النفاق وحبوب التلون وكبسولات الكذب، تحرمها على المواطن الغلبان، وتحللها على الأقربين الأولى بالفجور، وهي بذلك تقطع الطريق أمام من يظن أننا بلد ديمقراطي الأولوية فيه للفكر الذي قال عنه (ديكارت) إنه دليل حياة.

بالنسبة لأحلامي كمواطن معذب في أرضه، فهي تختلف عن رومانسية أحلام الوزراء الذي يعيشون في عالم (علاء الدين) وكهف (علي بابا)، ولأنني أنتمي لجيل لا يلح ولا يطلب ولا يشحت على باب الوزير، كما أنني لست نديماً لذلك الوزير الذي يعطيك من طرف اللسان حلاوة، فإنني بالفعل أتمنى أن يكون الوزراء نجوماً في السماء، هذا سيسعدني وسيبث الطمأنينة إلى قلبي، ذلك لأن أقرب نجم يبعد عن الفراش الذي أنام عليه 4 ملايين سنة ضوئية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى