رمضان و حمران العيون

> الحياة قصيرة مهما نعيش فيها، والعمر مهما طال واستطال، فهو في النهاية لا يساوي سوى لحظة..
من لا يدرك هذه الحقيقة، إما غافل غرته زينة الحياة الدنيا، أو جاهل غيبته حلاوة السلطة، فلا يرى أفعال وأعمال، و نرجسية نفسه الأمارة بالسوء ..

الاستهلال السابق يتماشى تمامًا مع مشهد تراجيدي، يقطع القلب لامرأة مكلومة من (أبين)، تبكي حالها، وحال أولادها، في زمن أصبح فيه ذوي القربى من مسؤولين ومسعورين بلا دم و بلا مشاعر ..
تسرد الأم حكايتها ببساطة: أنا أم أرملة، زوجي قضى نحبه في ساحات الوغى، استشهد وترك خلفه أربعة أبناء، مثل زغب الحواصل، ومع رحيل الزوج توقف المعاش، فتوقف كل شيء في حياة هذه الأم المسكينة ..

تقول الأم: إنها لا تدري كيف تطعم أولادها، ولا تعرف كيف تقيهم شرور الأوبئة، والأمراض، ولا تعرف كيف تدبر أمرها في زمن (دببة) سيبيريا الباردة، هذا العام اضطرت لأن تحرم أبناءها من التعليم، لم تستطع تدبير مستلزمات العام الدراسي، فأغمضت عينيها عن فاتورة يومية عنوانها (ادفع) ..
مرات كثيرة كانت الأم تحتال على أبنائها الصغار عندما يقرصهم جوع الليل، والجوع كافر كما يقولون، تضع الأم القدر على قش من الأعشاب اليابسة، و تتظاهر أنها تطهي طعام العشاء، إلى أن يغلب النعاس أبناءها، فينامون على لحم بطونهم ..

تعيش هذه الأسرة وضعًا مأسويًا صعبًا، فوجبة الإفطار التي تدبرها الأم بطلوع الروح مثل وجبة الغداء، قرص روتي ناشف مع كوب من الماء الحار، هذه الأم تبكي و تستجير برجال الخير، لأن يتصدقوا على أبنائها من مائدة الرحمن الرمضانية، ويرحموها من همِّ الليل، وذلِّ النهار، فهي لا تدري كيف ستواجه طلبات رمضان، ومن ثم طلبات العيد والجيب عريان (يا مولاي كما خلقتني) ..

تبدو هذه الحكاية مكررة ومستنسخة في زمن التعري السياسي، فأغلب الأسر تعاني ضيق ذات اليد، وقطع المعاشات، فيما قيادات البلد الهاربة من سعير الحرب والجوع تعيش في رفاهية الخارج وعلى كفوف (بحبوحة) الحرب غير المفهومة ..
أصبح المواطن في غياب العدالة الاجتماعية الحقيقية يعاني ويلات استنزاف بشري في الجبهات، وموجة حرب خدماتية مسيسة ليس له فيها ناقة ولا جمل ..

مثلنا مثل هذه الأم التي تندب حظها وتستغيث في زمن لم يعد فيه الشرف يستفز أحفاد(المعتصم)، نترنح وتتأرجح معاناتنا اليومية على حبال السياسيين، فنموت كمدًا وجوعًا، ومن لم يمت جسدًا مات روحًا ..

المفروض بحسب القوانين والشرائع أن المواطن في الداخل هو رأس مال السلطة، وبدونه تتحول الدولة إلى حاجة مش ولا بد، والمفروض بحسب منطق الأمم والأخلاق، أن المواطن فوق الحكومة، والأحزاب، وكل الخلافات، وفوق كل المعارك السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، لكن هذا المفروض عند تجار الحروب، وقيادات(حمران العيون) مرفوض، والعهدة هنا على مكايدات الكيد، والكيد المضاد، واللعبة السياسية الدراكولية التي بلغت فيها قلوب المواطنين حناجرهم ..

وطالما أن الحياة مجرد لحظة، وأن الموت حقيقة حتمية لا يفرق بين شهبندر التجار وبين يتيم ذي مقربة أو مسكين ذي متربة، فلا بأس من تذكير من يكتنزون المال والقناطير المقنطرة، أن كل إنسان لا يأخذ معه إلى قبره سوى عمله وأثره الطيب في الحياة، وسيحاسب المسؤول الفاسد والتاجر الجاحد حسابًا عسيرا، إلا من أتى الله بقلب سليم ..

ويا أيها المقتدرون سارعوا في شهر العبادة والطاعات والصدقات إلى تطهير أنفسكم من درن وشهوات هذه الحياة(الدنية)، وافتحوا بينكم وبين الفقراء بابًا للخير تفرجون به كربة منهم على شاكلة تلك الأم المكلومة، ارحموا من في الأرض بالزكاة والمساعدة والصدقة الجارية يرحمكم من في السماء ..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى