هدنة لوجه الله

> ضربتان على الرأس توجع، فما بالك عندما يتلقى المواطن ضربات ساحقة ماحقة، وكأنه محشور في حلبة ملاكمة يواجه فيها ضربات المكايدات السياسية بوجه سافر وبدون قفازات تدعم الموقف؟
إذا احتمل المواطن ضربة الأسعار وهي تغني له (نار.. نار.. نار)، فكيف له أن يحتمل غياب المعاش الذي أصبح (فزورة)، وربما (أحجية) تذكر بحكاية النعامة التي لا هي طير مع أن لها جناحين ولا هي جمل مع أن لها شكل الجمل؟

وإذا تفادى المواطن ضربة قوته اليومي ونجح في تدبير ما يسد رمق الحياة، فكيف له أن يتفادى ضربات الكهرباء والمياه ولوازم الحياة الصحية؟
المحزن في الأمر أن المواطن لا يدري على من بالضبط يصب جام وزبدة غضبه، على حكومة متنافرة لا رابط لها ولا ضابط، أم على جهات رسمية وغير رسمية تنتهج طريقة لعب تكسير العظام في كلاسيكو يدفع المواطن تذكرة مشاهدته من حياته البائسة الخالية من أي تشويق (هتشكوكي).

قبل ست سنوات تقريباً كانت أحلام المواطن ليس لها حدود، وطن مستقر يعيش فيه بكرامة وقناعة، وعدالة اجتماعية تضبط ميزان الاختلال بين فئة تنهب لتعيش حياة الملوك في بلاد خلق الله، وفئة لا تطلب سوى الستر.
اليوم انحسرت أحلام المواطن وتراجعت أسهم مطالبه، لم يعد يهتم بالعدالة الاجتماعية، ولا يبالي بوطن قادم على جثته، فقط يحلم برغيف خبز وكوب شاي وشربة ماء تروي ظمأه ومروحة تقيه حرارة الصيف الغائظ.

بالقطع أنا هنا لا أتحدث على المواطن في العصر الحجري أو الطباشيري، لكنني أتحدث عن مواطن الألفية الثالثة الذي يرى النجوم في عز الظهر جراء ألاعيب شياطين الفرقاء السياسيين الذين حولوا حياته إلى قطعة من جهنم.
لقد اكتشفت -واكتشافتي بالطبع مكررة - أن هناك أسراً و عائلات في الجنوب المحرر لا تمتلك ثمن قطعة ثلج، ولا طاقة لها بشراء حبة تمر، فيما الذين أمرهم الله في كتابة بضرورة التواصي بالمرحمة يعيشون في رمضان حياة عابثة مؤذية لمشاعر الفقراء.

هناك من أرغمته الحرب على النزوح إلى أرض ليست أرضه، رمتهم ظروفهم الصعبة في أتون أكواخ لا تصلح إلا للحيوانات، هؤلاء يموتون يومياً من شظف العيش، و من القهر، والعوز، والحاجة، ولا مسؤول في الرياض أو القاهرة اهتز له رمش أو خفض له طرف.
لا حاجة لكم في رمضان مشاهدة (هبالة) شوتر ولا سذاجة (زنبقة)، ففي الواقع أصبحت معاناة الناس في وطن ما كان يعرف بالإيمان والحكمة مسلسلات تراجيدية لا تستدعي سوى الدموع في غياب القلوب الرقيقة والأفئدة اللينة.

وكنت أظن أن التجار الذين يشفطون النفط، ويحتكرون حياة المواطن سيفرملون وحشيتهم الخاصة بالخدمات العادية، وسيفتحون مع المواطن هدنة رمضانية لوجه الله، لكن ليالي رمضان غير الملاح أكدت لي بالصوت والصورة أنني كنت سيء الظن، وأن هؤلاء التجار والمسؤولين الفاسدين والمفسدين في الأرض ضاعفوا من شراسة هجماتهم الاقتصادية على المغلوبين غير مبالين إلا بجيوبهم وبطونهم وترهل أجسادهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

بقي أن أدعو الحكومة والشرعية وكل الكيانات السياسية المتنافرة الأهداف والغايات لحضور وجبة إفطار على مائدة مواطن نازح يعيش على الحديدة، ليدرك كل من يتفنن في صناعة مأساة المواطن أنه يقتل النفس التي حرم الله قتلها في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، ومن سيرفض الدعوة بحجة التعالي على الرعية لأنه من ذوي الدماء الزرقاء، فقد صنفه الله من أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى