إجرام السلطة وصمت الإقليم

> شخصياً أعيش حالة من الذهول المطلقِ ممزوجةً بِكَمٍ من المقت لا تَتّسع له كل جنبات الأرض على سِعتها، وهذا من السلطة طبعاً، وأثقُ أنّ كل جنوبي يُشاطرني ذلك، لأنّ الفاشل، أو الذي أعْيتهُ كلٌ الحِيل عن تقديم شيء ما، أو الذي تكون ثَمّة قوىً أكبر منه وتعيقهُ عن العطاء، وحديثي هنا عن الحاكم/ السلطة، هنا من الأشرف له أن ينسحب ويتوارى، لأنّ السلطة والحكم هما مسؤولية على شعبٍ أمام الله سبحانه وتعالى، وهذا ليس بالشيء الهيّن ولا شكّ.

أنا هنا لا أُهًوّمُ في فضاءاتٍ مُوغلةٍ في المثالية، ولا أَرومُ مُحاكاة دُولٍ تَعتّقت في إرثِ الديمقراطية والرقي، أو أَتوخّى طوباوية رئيسنا ونائبه، لكنّ هذين الأخيرين أوغلا كثيراً في شريط العمر، فهما يَخوضان في المستنقعات المُوحلة لِلثمانينات، أي أنّ أقدامهما على حافة القبر، وفي يقيني أنّ مَن حولهما وفي حاشيتهما، حتى من أبنائهما، لا يلفتون انتباههما إلى ذلك، وأنّ عليهما مقابلة الباري الكريم بشيء يُحسّن كَفّتيهما بين يديه، لكن لا، بل هُم ينهبون ويوغلون في النّهب الشّره، وعلى رقبتيهما، حتى هم -الحكام- سادرون في غَيّهم ونهبهم أيضاً.

سيكونُ من الغرابة أنّ سَدَنة السلطة لا يدركون حال الشعب اليوم، تحديداً في مناطقنا المُحرّرة، ولا أعتقدُ أنّهم يتخيّلون كيف هي حياتهم، أو ماذا يعني عندما يدخلُ الرجل بيته وأولاده يطحنهم الجوع والحر والظمأ أو.. أو..، في تقديري كل هذا لا يخطرُ على بالهم مطلقاً، فهم ما انفكوا متقمّصين دور الحكّام فعلاً، ويتأزرون بالجاكيتّات الأنيقة من أرقى معارض باريس، ويتضمّخون بأرقى عطورها، وأيضاً يظهرون أمام الشّاشات ويطوحون بأيديهم خلال حديثهم، ولا بأس من أن يكسوا وجوههم بشيء من الجِديّة والصّرامة كالرؤساء الإيجابيين حقاً، وهذا شيء مثيرٌ للقرف والتّقزز بأبشع صوره وأشكاله.

في كل بيتٍ وشارع وحارة، وأمام محلات البقالة والخضار، وفي المواصلات العامة وفي كل مكان، يرفعَ الناس أكفهم إلى السماء بالدعاء على هذه السلطة، ولأن من غير الأخلاقي واللائق تداول ذلك في الإعلام، وإلا لنشرنا هنا ما يدعون الناس به عليهم، لكنّ البوهيمي الجَلف وصاحب القلب الميت هو الذي لا تؤثّر فيه متاعب الناس. من غير المُجدي الحديث معه، وهذا من أكثر ما يشق في النفس.

الشيء اللافت حقاً هو تعاطي أشقّائنا في الإقليم مع جلاوزة السلطة هنا، بل هو مُثار للتّأويلاتِ والقراءات المُلتبسة، كأن يُفتَرض أنّهم راضون فعلاً عن هذا الوضع المُزري الذي يعصفُ بجنوبنا، أو أنّ لهم صِلة فعلاً بما خطّطَ له العرّابون الدوليون لإنهاك رقعتنا الشّرق أوسطيّة، أو أنّ هذا ربّما يدخلُ ضمن إرث ثارات من الجائز أن تختزنها بعض دول الإقليم تجاه شعبنا الجنوبي تحديداً أو.. أو..، وإلا لماذا يخرسون ولا يحركون ساكناً إزاء كل الفظائع المرتكبة بحقّ جنوبنا من قبل السلطة؟

القراءات والتّأويلات تَتعدّد وتتشعّب ولا شكّ، لأنّ ما يجري في جنوبنا اليوم شيء يفوقُ التّصور، وكأنّ كل هذا لا يعني الإقليم في شيء، ونحنُ وقفنا ببسالة بمعيتهم ضدّ المشروع الإيراني في المنطقة، بل خلّصنا جغرافيتنا الجنوبية من شرور حضورهم فيها مُبكراً وضحّينا كثيراً، فهل كل هذا لا يعني لأشقائنا في الإقليم شيئاً؟ أو أنّ وراء الأكمّة ما وراءها؟ في تقديري الشّخصي (الأخير) هو الواقعي كما يبدو لي، أليس كذلك؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى