الصراع على الجزر اليمنية في البحر الأحمر والمحيط الهندي

> نتابع هذه الأيام أخبارًا وتصريحات من وزراء وسفراء وصحف وصحافيين عن إنشاء قواعد عسكرية في جزيرتي ميون وسقطرى، وبعضهم يؤكدون وجود مثل هذه القواعد العسكرية دون علم القيادة اليمنية، والبعض ينفي وجودها، والتحالف يؤكد أنها أُنشئت بعلم القيادة اليمنية في ميون، لمواجهة الخطر الذي يهدد الجزيرة ومأرب كما يدعون.

ما يحدث اليوم من اهتمام بهذه الجزر، يذكرنا باهتمام الدول الإقليمية والدولية بهذه الجزر بعد حرب أكتوبر 1973م، بسبب الموقف الذي اتخذناه في اليمن الديمقراطية، وكنتُ حينها رئيسًا للوزراء، ووزيرًا للدفاع، وقبلها كنتُ محافظًا للجزر، وأعلنتُ أن معركتنا ضد إسرائيل واحدة، وتم إغلاق مضيق باب المندب في وجه السفن الإسرائيلية، باتفاق بين مصر وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

احتجَّت حينها رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مايير لدى الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة على هذا التصريح، وعلى استقبالنا للسفن المصرية الحربية في باب المندب، وهددت أنها لن تسكت على هذا الموقف العدواني كما أسمته. وطلب السفير السوفياتي في عدن مقابلتي، وأبلغنا بالموقف الأميركي والإسرائيلي، وقلنا له: إن معركتنا واحدة ولن نقبل بهذا التهديد.

كما أتذكر لقاء جرى بيني وبين وزير الدفاع السوفياتي، بعد حرب أكتوبر 1973م، الماريشال جريتيشكو في مكتبه بوزارة الدفاع في موسكو، أكد خلاله على الاهتمام بجزيرة ميون، وتحصينها، وتشكيل قوة عسكرية خاصة بها، إلى درجة أنه اقترح أن يكون اسمها اللواء الميكانيكي 25، وقال إنه يعتز بهذا الاسم، فهي القوة العسكرية التي صمدت في الدفاع عن موسكو في الحرب العالمية الثانية، وقال لي: "أنتم بعيدون عنا، ولكن ذراع الاتحاد السوفياتي طويلة، عليكم حماية البر، وعلينا حماية البحر" (في إشارة إلى الجُزر).

حضر اللقاء معي صالح أبو بكر بن حسينون رئيس الأركان، ومحمد مفتاح عبد الرب مدير الدائرة السياسية بالقوات المسلحة، وقد علّق بن حسينون بعد ذلك على اهتمام السوفيات بجزيرة بريم بطريقته الساخرة قائلًا: "لبوهم الراعة (المصيبة) كأنها - الجزيرة - طلعت من البحر فجأة بعد حرب 1973م"، ولكنه لم يحدث شيء سوى بعض التحصينات العادية، وفقًا لإمكانياتنا المتاحة حينها. وجزيرة بريم هي بوابة البحر الأحمر إلى المتوسط، وهي بوابته إلى خليج عدن والمحيط الهندي والعالم.

كما أتذكر أن صدام حسين وكان حينها نائبًا للرئيس العراقي في لقاء جمعني به في عام 1977م، عرض علينا إنشاء قاعدة جوية وبحرية للعراق في جزيرة سقطرى، مقابل دعم مالي وعسكري كبيرين؛ لأن البحرية العراقية كانت تحت رحمة الشاه، والدول العظمى، ودول الخليج حسب قوله.. وأرسل وفدًا عسكريًا برئاسة رئيس الأركان العراقي الفريق عبد الجبار شنشل إلى عدن، لزيارة باب المندب، وجزيرة بريم، وجزيرة سقطرى، وميناء بلحاف، لاختيار المكان المناسب، ولكن كانت عينهم على سقطرى فقط لأهميتها الاستراتيجية.

وقد رفضنا هذا العرض، كما رفض قبل ذلك المناضل قحطان الشعبي رئيس وفد الجبهة القومية في مفاوضات جنيف إبقاء قاعدة عسكرية بريطانية مقابل الدعم المالي والعسكري، ورفضنا أيضًا طلبًا من الاتحاد السوفياتي بإنشاء قاعدة عسكرية لهم في عدن، أو أي مكان آخر، وذلك على الرغم من كل الدعم السياسي، والاقتصادي، والعسكري الذي كان الاتحاد السوفياتي يقدمه لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ورفضنا أيضًا طلب المصريين بالتمركز في جزيرة بريم، على الرغم من دعمهم لثورتي أكتوبر وسبتمبر، لأننا لم نرد أن نسمح بإقامة قواعد عسكرية بعد أن تحررنا وطردنا أكبر قاعدة بريطانية في الشرق الأوسط، فنكون كمن استبدل قواعد أجنبية بقواعد أخرى مهما كانت جنسيتها، حفاظًا على سيادتنا واستقلالنا، ولكن لم نمانع بتقديم التسهيلات كالوقود والغذاء والماء وغير ذلك للسوفيات وغيرهم.

ويجري اليوم الحديث على أن جزيرة سقطرى ليست يمنية، وأنها تتبع الصومال، أو دول أخرى، وهي ليست كذلك، وقد نفى وزير الخارجية الصومالي مثل هذه الادعاءات، وأكد تبعية الجزيرة للسيادة اليمنية.

تاريخيًا كانت سقطرى مطمعًا للقوى الاستعمارية، فقد تعرضت هذه الجزيرة للغزاة عبر تاريخها من البرتغاليين، والبريطانيين، والهولنديين وغيرهم، وأستشهدُ بالمقاومة الباسلة للقائد محمد بن عامر بن طوعري بن عفرار الذي تصدى ومقاتلوه لأول محاولة استعمارية في القرن السادس عشر لاحتلال الجزيرة، وأبلى بلاءً حسنًا، حتى استشهد مع أكثر من مائة وخمسة وعشرين مقاتلًا رفضوا الاستسلام والهدنة مع العدو، ولم يبقَ منهم إلا رجلًا أعمى بقي مختبئًا في أحد أركان القلعة، وعندما أمسكوا به سألوه: لماذا لم تخرج؟ هل أنت أعمى؟!

فقال لهم: نعم إنني أعمى، ولكنني أرى شيئًا واحدًا وهو الطريق المؤدي إلى الحرية.

إن شعبنا حريص على علاقات جيدة مع جيرانه ومع كافة الدول الإقليمية والدولية، بما يخدم أمنه واستقراره وسيادته على أرضه، وهذه الجزر وغيرها التي يزيد عددها عن مئة جزيرة ليست بحاجة لقواعد عسكرية، ولكن من الممكن في المستقبل أن تصلح للسياحة والاستثمار كجزيرة سقطرى، التي تتمتع بمناخ معتدل، وشواطئ رملية ساحرة، وشجرة دم الأخوين، والحيوانات والطيور والنباتات والزهور النادرة والمغارات.

وكان رجل الأعمال المصري الكبير أنسي سويرس وابنه سميح قد زارا جزيرة سقطرى، ويرافقهم الدكتور عبد الكريم الأرياني وزير الخارجية اليمني حينها، للاستثمار في هذه الجزيرة، وكنتُ في لقاء مع الرئيس علي عبد الله صالح، وبحضور الأستاذ محمد باسندوة، وبعض المسؤولين لإقناعه بزيارة سويرس إلى الجزيرة والاستثمار فيها، ولكنه قال إن هناك شركة فرنسية ترغب بالاستثمار في الجزيرة، وقلتُ لا مانع، ممكن دراسة العرضين واختيار الأنسب.

وأجريتُ اتصالًا من ديوانه بأنسي سويرس، وقلتُ له أن الرئيس يرحب بزيارتكم، وهذا ما حصل. ولكن تعطل هذا المشروع الكبير، الذي كان سيُكلف كما فهمت أكثر من 12 مليار دولار، لإنشاء المطارات، والمواني، والطرقات، والفنادق، والشاليهات، والمنتجعات السياحية، وتجهيزات الغوص، وركوب الأمواج والزوارق، والصيد، وتجهيز المحميات الجبلية بالاستراحات وغير ذلك، بسبب أن أحد المسؤولين الكبار قد رفض هذا المشروع، إلا إذا كان شريكًا فيه بنسبة 51 % مقابل الاسم فقط وليس المال! في لقاء جمع المهندس سميح سويرس بهذا المسؤول في فرانكفورت، ورفضت أسرة سويرس هذا العرض، وحُرمت الجزيرة من هذا المشروع الكبير الذي كان سيعود بالفائدة على المواطنين في الجزيرة وغيرها، وسيكون مصدرًا هامًا للعملة الصعبة للدولة، بسبب بعض المصالح الشخصية، وقد حزنتُ كثيرًا لذلك، وعلمتُ بعد ذلك أن سويرس قد استثمر في رأس الخيمة بالإمارات، وفي صحار وجزر الحلايين بسلطنة عمان.

ونحن نناشد الأشقاء والأصدقاء اليوم بالاهتمام بالاستثمار في جزر سقطرى وكمران وميون وغيرهم، بما يعود بالفائدة على الجميع، وتساهم في أمن واستقرار اليمن والمنطقة، فاليمن بحاجة اليوم إلى وقف الحرب، وإلى الأمن والاستقرار، والإعمار، واستثمار خيراته وثرواته، بعد الصراعات والحروب التي مر بها؛ لأن استقرار اليمن هو استقرار للمنطقة والعالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى