الوطنية: الضجيج والمتاجرة في الجنوب والأرباح للشمال

> يجد معظم الجنوبيين أن من المهم جدًا أن يكون لديهم ما يسمى بـ "نحن، نحن" بمعنى الاستقلالية في القرار والتواصل والتفاعل مع الآخرين والثقة والتضامن والحق والعدالة، فهناك البعض من يريد شطبهم من التاريخ والجغرافيا ومن الخارطة السياسية، وأن تحتل كلمة "الوحدة" المرتبة الأولى في تصنيفات وعيهم ومشاعرهم دون مراعاة لخصوصياتهم ومطالبهم وطبيعة ثقافتهم وتضحياتهم، وأن لديهم تصوراً مختلفاً عن الوطن، وخاصة أن الكثير منهم تعلم قبل الوحدة أن الوطن هو المكان الذي يشعر فيه بالحماية والأمن وسيادة القانون.

إذا نظرنا عن كثب إلى ما يقرب من 27 عامًا من تاريخ أول حرب على الجنوب في الوحدة اليمنية، فلن يكون من الصعب ملاحظة فترات التراجع الرهيبة فيه على كافة المستويات، وبطبيعة الحال يشعر الكثير من الجنوبيين من وقت إلى آخر بالانفصال عن جذور وطن 22 مايو 1990 بسبب المآسي والحروب التي طالت حياتهم وعائلاتهم وأرضهم ونهب ثرواتهم وتدمير الخدمات والبنية التحتية لبلدهم من قبل شريك الوحدة، واليوم رغم فشل الوحدة اليمنية الواضح هناك حملة إعلامية رخيصة ضدهم أرضاً وإنساناً وتاريخاً لا تتوقف، وبالذات منذ تحرير الجنوب في الحرب الأخيرة، فمن هم قادة الحملات الإعلامية؟

هم ثلة من الساسة والدبلوماسيين والتجار والإعلاميين والمعلقين والصحافيين والعسكر والنشطاء وشيوخ القبائل والدين، أبطال الإشاعات والتضليل والكذب على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ومواقع التواصل الاجتماعي. يعشقون التصريحات والمطالب اللا وطنية والمدفوعة مسبقاً، يقتاتون من الغدر والحروب والفيد والنهب والعزف على التناقضات بين أيديولوجية "الوطن الأم والوحدة" المعلنة، والأنشطة الخفية الخبيثة السياسية والحزبية والدينية.

هم بعض الأصوات والأقلام القابلة للإيجار مقابل المال والسيارة والسكن والقات، قوى فاسدة تريد أن تبقى في السلطة مدى الحياة، تنهب الدولة والمواطن، وتبيع ثروات الشمال والجنوب باسم الوطن والدين والوحدة.

هم في الواقع من مزق الشمال، ويسعون الآن إلى تفتيت الجنوب، ويعانون من متلازمة "الوطن والفيد" ومن الشيزوفرنية السياسية. تحترق قلوبهم على الأوضاع في الجنوب وخصوصاً على "الجزر البحرية الجنوبية" وكأنهم من سلالة "البطريق"، ولا تحترق قلوبهم على مدن الشمال التي تقع تحت الحرب والجوع والذل والمهانة، وهناك نساؤه تمتهن كرامتهن في السجون.

هم من فصل الوطن عن الدولة والفرد عن الهوية. هم من ربط الوطن بالقبيلة والمذهب، والوحدة بالموت، والمسؤولية بالنهب والرشوة، حتى أفقدوا المواطن الفخرَ بالبلد، يريدون من المواطن أن يحب الوحدة وهم في الفنادق أو بالبنادق. عميٌ أمام الشمال المحاصر، وبصيرون يذرفون الدموع على الجنوب المحرر.
تظن هذه الثلة أن الوطن قطعة أرض باسمها تنقل ملكيتها من قبيلة إلى أخرى، ولا تعي أن "الوحدة" هي العدالة واحترام حقوق الشريك، وأن "الوطن الحقيقي" هو للجميع، وهو الفجر الجميل الذي نصحو عليه ونعيش أحراراً فيه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى