اختلال..

> هل مشكلة اليمن شمالًا وجنوبًا تكمن في عقلية المواطن البسيط البعيد كل البُعد عن لغات العنف؟ أم في عقلية السياسي الذي يعتقد أنه وصي على لسان المواطن وقلبه وحنجرته؟
وأين دور المثقف الذي يكتفي بالتذمر وبناء قصور من الوهم والخيال؟

أسأل هذا السؤال من منطلق إيماني أن الاقتراب من عمق وتخوم أجابته كفيل بإصلاح الوضع بعيدًا عن القاعدة المرورية سيئة السمعة ثلثين بثلث.
وطالما ارتبطت الرؤى والأفكار الجدلية بمصطلح فضفاض يفهمه كل طرف على مزاجه، فسيبقى الإصلاح السياسي في وطن تضرب الفوارق الفطرية أطنابه مثل الغول والعنقاء والخل الوفي.

تعالوا معي نسبر أغوار مسألة الإصلاح السياسي حسب رؤية كل طرف، وستكتشفون أن الأزمة في بلادنا أزمة ضمير وعقول قبل أن تكون أزمة فكر ورغبة وتنازلات.
المواطن يرى أن التعاطي مع الإصلاح السياسي دون تحريره من أزمات حياته المعيشية مجرد طحن للطحين، وضحك على الشنبات والذقون.

والمثقف يناقش أمر الإصلاح السياسي من ناحية فكرية بحتة تصب في خانة تحريره من قيود الرقابة وجواسيس الليل والنهار.
أما السياسي (ربنا يجعل كلامنا خفيف عليه) فيرفع شعار الإصلاح السياسي من منظور حزبي بحت يهدف إلى تثبيت أركانه، بحيث يفتح أمامه مرحلة جديدة، تستبدل فيها شعارات الثورة بملصقات أنا ومن بعدي الطوفان.

إذن المشكلة والإشكالية ذات نزعة ذاتية، كل طرف يتعاطى الإصلاح السياسي من وجهة نظره، وكل طرف يستميت في التنقيب عن أخطاء غيره، فيقضي المواطن والمثقف والسياسي ثلثي عمرهم في خلافات بيزنطية دون حسم جدل البيضة جاءت أولًا أم الدجاجة؟
والسؤال الذي يشتعل تحت رفات المقابر وما تبقى من رماد المجامر: لماذا هذا التباين الصارخ في وطن يفترض أنه ديمقراطي من رأسه حتى أخمص قدميه مهما انتقدنا تركيبته الاجتماعية؟

إذا أعدنا تقويم الواقع وقراءة محتويات الوضع السياسي الفاقع، فإن ترتيب الحلقات الثلاث سيضعنا أمام إجابة واحدة لا توأم لها، إنها العدالة الاجتماعية النائمة بين رمال من الفتن والولاءات المدفوعة الأجر.
المواطن لا يثق في السياسي، لكنه يهرول خلف شعارات التضليل، تماشيًا من عملية التجويع الممنهجة قولًا وفعلًا.

والمثقف يعزل نفسه عن مجابهة الوضع، فيفضل العيش بين بريق الأوهام والشعارات الفنتازية التي تبقى مجرد أحلام تحت المخدة والنمارق المصفوفة.
يأتي السياسي التابع الذي يرهن مستقبل بلده بوعود عرقوبية، ليستغل هذا الفراغ، فيتخذ من هموم المواطن وسلبية المثقف مطية يقفز بها إلى ساحة الوصاية على الحقوق والواجبات.
وهنا وفي ظل هذه العلاقة المختلة تتوارى العدالة الاجتماعية عن المشهد المأساوي خجلًا وكسوفًا، وتتراجع أسهم الإصلاح السياسي حتى الضآلة، والنتيجة أن الأطراف السياسية تتاجر بقضايا المثقف، وتفرض وصاية على خدمات المواطن، ولا عزاء لوطن عدالته الاجتماعية في واد غير ذي زرع!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى