نفترضهم كبارا وقرارهم مختطف

> قبل شهرين تقريباً هلل الشارع المصري فرحاً بما افترضه انفراجة في العلاقات مع تركيا وهي متوترة على خلفية دعم الأخيرة للإخوان، وبلغت ذروتها حول حقول الغاز في المتوسط، واستبشار الشارع المصري جاء إثر زيارة وفد تركي من سياسيين ورجال أعمال للمحروسة، وذلك لإبداء حسن النوايا، وأيضاً (للاستكشاف) كما صنّفها سياسيون أتراك، وعلى أن تليها لقاءات رسمية لوزراء خارجية البلدين لاحقاً.

إلى هنا الوضع طبيعي، لكن غير العادي هو مفاجأة المحروسة مصر نهار 19 يونيو الجاري بالإعلام التركي يشن حملة إعلامية مسعورة عليها وعلى قيادتها، وتبناها الإخوان هناك، والشّارع المصري اندهش من هذا الانقلاب السّريع، خصوصاً وقد خفت حضور الإخوان بعد الخطوة التركية الأخيرة، بل جمعوا أسمالهم استعداداً لمغادرتها، لكن أصدق توصيف لهذه الهيستيريا السياسية التركية، هو ما صرح به الإعلامي المصري الكبير عمرو أديب عبر فضائية إم بي سي مصر 2 قائلاً: "إحنا عارفين كويس إن القرار مش بأيديكم"، ويمكن بعد ذلك جد جديد في المسلك التركي مع الإخوان.

هنا غاصت السعودية في أوحال الحرب في سنتها السابعة، وعتادها الحديث المكلف كفيل بإحراق شبه جزيرتنا العربية في حرب شهر واحد وحسب، لكن الحوثيين ما انفكوا ملقين بمقذوفاتهم إلى العمق السعودي، وسيوف إخوتنا السعوديين الاستعراضية في مهرجانات الجنادرية تتشارك اللمعان والبريق مع الجنابي اليمنية في رقصة البرع الذائعة، والجيش الوطني اليمني يخاتل في حربه مع الحوثي، ويستأسد بدثار القاعدة والإخوان في جنوبنا المحرر، لكن هيهات له، والأخير مبهم يستوعبه العارفون بالخبايا والفرمانات الفوقية لتوزيع البيادق على الرقعة.

المتابع الحصيف لمفردات الخطاب الإعلامي السعودي الصاخب عن الإخوان، وضرورة استبعادهم من المشهد، وبمقارنة ذلك مع الواقع، يستطيع استكشاف أن ثمة قوى فاعلة تسند الإخوان، ودوراً ما منوط بهم. بالمناسبة بعفوية ألمح إلى هذا عضو بارز في لجنة جائزة نوبل الممنوحة لتوكل كرمان، وهو يقول: "لم نمنحها الجائزة لأنها تفردت بعمل بارز ما، أو لأنها حققت نجاحات ذات شأن في الجانب الإنساني كلّا، لكن منحناها لأنها تنتمي إلى تنظيم الإخوان المخول بمهمة حيوية اليوم"، لا إضافة هنا أو تعليق.

لذلك، نجد مسكنات الفولتارين التي تحقنها المملكة مع كل موجة انفعال لـ (الإخوان - الشرعية) ضدّ مجلسنا الانتقالي وجنوبنا، هي للامتصاص وحسب، ولأن الأمر الفاعل غير مرئي، مع أن الحسم الحقيقي بثقل السعودية وتأثيرها على كل الأطراف مسألة مفروغ منها ولا شك، ولذلك يتبدى صلف الإخوان العلني وتعنتهم جلياً، مع أنهم لا يحتكمون فعلاً إلى ممكنات قتالية تؤهلهم لقلب الطاولة على الأرض، ولهذا يظهر الحرص السعودي على بقائهم عارياً بهذا الشّكل أو ذاك، وكذلك استضافتهم معززين في قصورهم، خصوصاً وقد أطبقوا على دفة الشرعية وقرارها بإسناد عالٍ المستوى.

كل بلد يطبق على خناقها وقرارها كلما تغول فيها الأثرياء المتحكمون بقرارها، هكذا يسير العالم اليوم، ولهذا يجري التدمير البشع لمنطقتنا الشرق أوسطية وإنهاكها مع شعوبها وفقاً لمخطط مرسوم سلفاً، ومن الدول المحيطة من تسهم فيه كمعاول هدم، وسيأتي الدور عليها نفسها لاحقاً، لأن العرّابين الكبار لا يعرفون الرحمة، وإنما مصالحهم، والتجارب والأحداث أمام عيوننا في صفحات تاريخنا الحديث، لكننا لا نتعظ شعوباً وحكاماً، أليس كذلك؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى