مَن بعد تونس؟

> بلحظة فارقة في مسار التاريخ المصري الحديث كانت المحروسة تتلوى بين أنياب وحش الإخوان الذي افترسها عندما انبرى الجنرال السيسي ليتصدر الحدث، فألجم الوحش، وسحب المحروسة من فمه مثخنة بجراحها، وهي تتعافى الآن بقيادته، هنا كما يبدو كانت بداية فك ربطة السبحة، وسقوط أولى حباتها على الأرض، لأن الثانية تليها اليوم في تونس.

في تونس كررها الرئيس بن سعيد بضربات محكمة في توقيت مفصلي أيضاً، وقد تصاعد فيه غلو حزب النهضة (إخوان)، وفاقم من جنوحه إلى الممارسات العبثية الهيستيرية، ووجه لهم بن سعيد ضربته القاضية ففشل البرلمان وأقال رئيس الحكومة، وعزل فعاليات مؤثرة منهم في جسد السلطة.. إلخ، ولم تفق النهضة إلّا وهي مقصوصة الأجنحة، وخارج اللعبة التي استفردت بمضمارها طويلاً.

التماثل في المشهد المصري - التونسي هنا جلي، وخلاصته تقويض الهيمنة الإخوانية الطفرة على السلطة في البلدين، والقاسم المشترك بينهما هو توافر الظهير الشعبي (الواعي والمتماسك) في الحدثين، وهما الشعب المصري والتونسي اللذان فاض بهما الكيل من عبث الإخوان، ناهيك عن تمييع الدولة وجعلها مجرد أداة لتكسب الدخلاء الجدد على السلطة، والمؤسف هو استخدامهم للخطاب الديني الزائف الذي يشرعن لهم ممارساتهم العبثية.

الحدث التونسي صادم ومفاجئ لشارعنا العربي، وهنا تكشفت هشاشة وخور قوى الإخوان، وظلت تمثل غولاً طاغياً على جغرافيتنا، بل هم كانوا كفزاعة مرعبة، خصوصاً بجناحهم العسكري الذي تخرج من عباءته فلول القتلة والإرهابيين وإثارة الفوضى والتفجيرات.. إلخ، ولاحظوا أنّ أداء هؤلاء الأخيرين يتلبس بثوب العصابات المافوية المنظّمة، وهذا يومئ إلى صلة كيانهم الوثيقة بعرّابي ومجرمي الخارج بهذا الشّكل أو ذاك.

الشيء الواقعي في مصر وتونس أن الإخوان تلاشوا وذابوا كقطعة ثلج تركت في العراء، هذا يشير إلى زيف المنشأ والخطاب الذي انتهجوه، وكذلك الهدف الذي تواجدوا لأجله، وكل الحقائق على الأرض تشير صراحة إلى أنهم محض كيان استحضرته لوبيات خارجية لأجل غايات بعينها، بل الأول والأخير فيها هو استخدامهم كذراع وهراوة على أمتنا العربية والإسلامية، وعملاً بسياسة اضربهم ببعضهم، ولذلك كان الخطاب الذي تشدقوا به زوراً وهو نفس خطابنا وشعائرنا وخلافه.

إن جحافل وطوابير طويلة من شبابنا وإخوتنا، بما فيهم حملة الشهادات العلمية والأكاديمية وقعوا في حبائل هذا الكيان بمسمياته وتفرعاته المختلفة، بل في مختلف بلداننا العربية والإسلامية وفي الخارج أيضاً، والسبب لأنّ خطابه الظاهر ديني صرف، وأهدافه المزعومة دينية كما يسوق ويرفع شعار إقامة الخلافة الإسلامية الحقة. هذا يغري كثيرين، وخصوصاً من لم يبحثوا أو يتيقنوا من حقيقة كنة وارتباطات قياداتهم، وكذلك جمعيات كيانهم وارتباطاتها وحقيقة أنشطتها وتمويلاتها الخارجية المشبوهة وخلافه، ومثل هؤلاء معذورون إلى حد ما، لكن عندما تتكشّف حقائق الممارسات والفظائع التي ارتكبت من قبل كيانهم في دول عدة، فالمسألة تستدعي إعادة النظر ولا شك.

مَن بعد تونس؟ وأي دولة ستنفض غبار الإخوان عن جسدها؟ والسبحة انفرط عقدها، ولم يبق إلّا توافر النخبة أو الزعيم أو الكيان الذي سيتصدر المشهد، ولأن للعبث أجلاً ونهاية، والشواهد أمام العين، أليس كذلك؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى