ثنائية التفويض والحرب بدون دماء

> صبيحة 4 مايو 2017م كنت بين الحشود الجنوبية الهائلة التي فوضت قيادتنا في الانتقالي، وما زلنا عند عهدنا لها، وفعلاً تحققت لجنوبنا إنجازات معتبرة، أهمها إظهار قضيتنا إقليمياً ودولياً، لكن اليوم تجتاح جنوبنا متغيرات عاصفة وأبرزها تفاقم أوار الحرب الناعمة علينا، وهي حرب بلا قذائف ولا متفجرات، لكن لها آثارها التدميرية المروعة علينا وعلى قدرتنا على التماسك والصمود وخلافه.

أواخر مارس 2015م أجبرنا على خوض (حرب تقليدية) مع الحوثي وكسبناها، والسّبب لأننا أصحاب أرض وقضية عادلة، لكننا اليوم نخوض حرباً أوسع وأكثر تدميراً، وخصومنا فيها من الخارج والداخل، والآخرون يتأزرون فيها بدثار (سلطة شرعية) زوراً، ومعظمهم يخدمون أجندة الخارج ومخططاته لإنهاكنا، وهي كلفتنا كثيراً، كما تسحب غالبيتنا إلى شريحة المعوزين، ومن ثم إلى الفوضى العارمة والتشرد في الأصقاع، والمؤسف أن الإقليم يقف شاهد زور فيها وحسب، ورغم مواقفنا المشرفة معه عندما خضنا الحرب معاً ضد الحوثي، وهذا مؤلم لنا ولا شك.

اليوم لدينا ألوية أحزمة أمنية ودعم وإسناد.. إلخ، وهذا نجاح لجنوبنا، وبصدق نشكر إخوتنا الإماراتيين على ذلك، لكن أصل مصيبتنا أننا لم نستوعب بعد أن مفاهيم الحرب قد تغيرت جذرياً، وأن جنوبنا يقع تحت طائلة حرب من الجيل الرابع، وهي التدمير البيني والإنهاك التام للجغرافيا المستهدفة، وهذا يظهر في التعلم وشيوع المخدرات والانفلات.. إلخ، والأبرز في كل هذه الروزنامة هو الإنهاك الاقتصادي والخدماتي بأبشع صوره وتجلياته.

نعم هذه هي الحرب الراهنة بمفرداتها وتبعاتها، لكن ماذا في جعبة قيادتنا في الانتقالي لمجابهتها والتصدي لها؟ وهل كل جبهاتنا تتمحور في المطالبة بتنفيذ اتفاق الرياض المزعوم؟ وما لا يتضمنه هذا الاتفاق كيف التعامل معه؟ وللعلم أن رأس حربة الحرب معنا اليوم هي في جبهة البنك المركزي، وفيها يتبدى السحق الذي يستهدفنا جلياً، وهو أول مصادر الإنهاك، وتعيينات قياداته من النافذين (الخصوم)، والحديث عنه يتشعب ويطول، لكن ماذا لدينا بهذا الصدد وعداه من المحاور الاقتصادية ومحاور الحرب الأخرى المؤثرة فينا؟

للخصوم قوى ناعمة متعددة، وهي في الجمعيات الخيرية والمدارس الأهلية والكيانات المجتمعية حتى خلايا العنف الناعمة، وهي أيضاً في البنوك والشركات التجارية الخاصة وانتشار (بقالات الصرافة) كالفطر، وكذلك الانتشار في المواقع الحساسة للوظيفة العامة والخدمية المؤثرة منها تحديداً.. إلخ، وكل هذه ممكنات قوية يعتد بها وتتبع الخصوم، وتنفذ أجندتهم في تركيعنا، وماذا أعددنا بهذا الصدد؟

فعلاً شكلنا لجاناً وهيئات وخلافه، وإن كان في بعضها كل صديق يأتي بصديقه أو ابن قريته.. إلخ، ولندع هذا جانباً الآن، والمهم هل هم من الاختصاصيين المحترفين حقاً في مجالهم؟ وهل يقومون بمهامهم بديمومة وباقتدار؟ أي كأن يرصدون كل مكامن الخلل والاستهداف الممنهج لجنوبنا بالتحليل والحيثيات والوثائق؟ وهل يضعون الحلول والمخارج الصائبة لمواجهتها؟ أو ليمكنوا القيادة العليا من طرح تلك الحيثيات على طاولات الوسطاء الإقليميين والبت معهم بها.

الأكثر أهمية هل لدى قيادتنا رؤى بالخيارات البديلة حال أن تلكأ الوسطاء من التعاطي بجدية مع تلك الطروحات التي تفضح تعديات الخصوم واستهدافهم لجنوبنا؟ فالحرب والهجوم علينا اليوم كاسح مدمر يقوّض ويزلزل أركان بقائنا، وهذا يسحب من الرصيد البشري للانتقالي، ويظهره عاجزاً، ومهما كانت التبريرات، ولأن (فوضناكم) هي مفردة كبيرة وعميقة المعنى والدلالات ومدى الثقة والتبعات أيضاً، أليس كذلك؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى