صادق زمانه!

>
محمد العولقي
محمد العولقي
عندما يرحل العظماء ممن أثروا البشرية في شتى المجالات يأفل حلم ويبعث حلم من جديد.

* والكابتن صادق حيد، طيب الله ثراه، رسخ عقليته بين العظماء؛ فقد كان شاهدا على أفول شمس الإمبراطورية البريطانية، و واحدا ممن بعثوا لنا حلما جديدا في زمن الحرية و الكرامة.

* التاريخ يحتفظ للعظماء بسيرة أعمالهم، يخلدهم بين دفتيه، ثم يقدمهم بعد ذلك في قالب من الأحداث.

* يمكن للتاريخ أن يضيف ويحذف في موازين العظماء، لكنه سينحني لقلة من العظماء، أبرزهم صادق حيد.

* إذا كان فرسان السياسة والأدب والرياضة والعلوم لهم تاريخ يحكي عن مآثرهم، فذات التاريخ سيحتار كيف يقدم مآثر وبطولات اللواء الراحل صادق حيد، ببساطة متناهية صادق حيد هو التاريخ نفسه.

* عندما أمحص في تاريخ صادق حيد ينبعث في نفسي أنين خافت غير قابل للتداوي أو المعالجة، تنتابني حسرة منكسرة وتخنقني زفرات مدينة أسكنها الراحل بين ضلوعه و حملها بين جوانحه أمانة إلى يوم الدين.

* كان صادق حيد شابا فتيا عندما غازل عدن، حمل السلاح للدفاع عنها، لعب لأجلها دور البطولة، مرة كلاعب صلب يدافع عن كرامتها كرويا، ومرات كمسؤول أمني رفيع يحفظها من فوضى العابثين وطمع الناهبين بحسه الأمني الذي لا يعلو عليه.

* لأجل عدن، لعب صادق حيد دور البطولة في مواقع مختلفة، مدافع جبار قوي لا يلين ولا يستكين، ورئيس اتحاد الشرطة الرياضي، وقيادي مؤسس لوزارة الداخلية.

* لأجل عدن، خاض صادق حيد بطولات كروية كثيرة داخليا وخارجيا، ولأجلها تحدى عش الدبابير، شرع القوانين، صاغ نظاما صارما فاستتب أمنها، وظل عينا ساهرة لا تنام ولا تغفو.

* صادق حيد عشق عدن بصمت، مارس معها قبلة الحياة بصمت، التصق بعدن والتصقت به، ذاب بين جوانح ناسها وذابوا بين جوانحه. لا فارق بين مدينة تنام على ضفاف البحر تتنهد أمواجا و رجل أمني يتنفس من مساماتها عبقا يحبس الأنفاس.

* يمكنني في ليلة وداعية الصادق الصدوق (صادق حيد) أن استرجع قليلا من عبق ماضيه. هناك ذكريات تقبع بهدوء متخلية عن شراستها، أستطيع يا صادق في ليلة وداعك أن استخراج اليسير منها.

* كنت مدافعا عصريا يحمل لواء نادي الشباب ثم الأهلي بعد الدمج الأول ثم الشرطة. لا أحد ينتزع منك الكرة، قدمك خريطة ملعب وعلى حذائك جملة تحذيرية للمهاجمين: ممنوع المرور.

* شاء لك الله أن يبدأ تاريخك الإداري متوازيا مع تاريخك الكروي عام 1970 لم تجد حكومة الجنوب سواك لينفخ في اتحاد الشرطة الرياضي، وقد كان وقتها نطفة في علم الغيب.

* نفخت في هذا الاتحاد من روحك ومن أنفاسك العطرة بحثا عن جمع المذكر السالم، فكان ميلاد نادي الشرطة. قدته رئيسا ولاعبا و كابتنا. اجتمعت فيك تلك الخصال، وما أصعب أن تكون رجلا أمنيا و يعشقك الناس و يهتفون لك في كل مكان.

* قطع صادق حيد رحلة رياضية وأمنية طويلة تجاوزت نصف القرن، شاهد أهوالا لم ترعبه، وعاش نوائب سياسية لم تفت في عضده، وحاصر كل المتغيرات السياسية جنوبا، ولم يسجل أحد من الفرقاء مخالفة واحدة عليه.

* عندما ترجل الفارس صادق حيد وغادر هذا الوطن المنكوب مع الأسف والاحترام تخيلت رحلة الألف ميل و سألت نفسي: إذا كان دانتي في الكوميديا الإلهية قد قطع واديه عابرا من الجحيم إلى الجنة في لحظة حلم فكيف فعل صادق حيد ذلك في كوميدياه الرياضية والأمنية في لحظة صدق على أرض الواقع؟

* رحل صادق حيد بعيدا عن عدن، احتفظ لنفسه بسر خلطة نجاحه المتواصل، ولا أظن أحدا قادرا على ملامسة موسوعته لأن المسألة هنا جينات. رحم الله صادق حيد بقدر ما أعطى لوطنه، متضرعين للمولى عز وجل أن يسكنه فسيح جناته و يلهمنا على فراقه الصبر والسلوان. إنا لله و إنا إليه راجعون!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى