اللعب في حلبة الكبار

> تظهر بصمات حضور الخارج جليّة في كل مُخرجات أحداث تفجير منطقتنا العربيّة وإنهاكها، وهي لا تَتَحرّج من أن تومئ إلى نفسها عند تجزئة الجغرافيا المُستهدفة إلى كانتوناتٍ مناطقيّة أو طائفيّة مُغلقة، والأخيرة تجري شرعنتها بصيغةِ قرارات للأمم المتّحدة، أو في اتفاقات جانبية تحمل صفة (دوليّة)، مثل اتفاق ستوكهولم للحديدة، والأمور جرت وتجري بطريقة كهذه في دولنا الملتهبة، والغاية إعادة رسم خارطتنا ووفق سيناريو مرسوم.

للحرب هنا ست سنوات وأكثر، وهذا خرافي، خصوصاً في ظل وجود قوات دولة ضاربة كالسعودية، وأسلحتها كفيلة بإحراق الأرض في ساحات الحرب، لكن الحوثي في سكينة تامة عسكرياً واقتصادياً، وحالة الاضطراب والإنهاك الاقتصادي الممنهج يتلظّى في أتونها جنوبنا المُحرّر، وهذا يُشيرُ إلى تدخل أصابع الخارج هنا ولا شك.

يَتهيّب كثيرون من الخوض فيما سلف، وهو جلي وظاهر، لكنّ الأكثر صلفاً هو لدى السلطة الشرعية، وهي في الأصل مُجرّد مُسمّى هُلامي لسلطة مُغَيّبة وبعيدة عمّا تبقّى لها من الجغرافيا التي من المُفترض أنّها تحكمها، ولكنها تحظى بالاعتراف الإقليمي والدولي، لأنّها في الواقع الأداة التي سَتحقق مرامي العرّابين الكبار، وهنا تقفزُ تساؤلات محيّرة مثل: أين الوطنيّة والعروبة والدّين؟ ولماذا التآمر على الأوطان وخيانة الشّعب والتّنكيل بهِ؟ ولماذا ينصاعون للمخطّطات الخارجية الإجراميّة؟ والإجابات تنضح بالعفنِ في أبشع صوره وتجلّياته.

في الجنوب لنا تطلعات معروفة، وهي استعادة دولتنا، والأسباب معروفة ومشروعة أيضاً، والحوثي في الشّمال قد التحف بالثوب الإيراني، وهذه إيران، أي ليست أي دولة أخرى، وهي لن ترخي قبضتها عليه ولو اشتعلت كل أرضه لهيباً وشرراً، ودليلنا ما يجري في سوريا ولبنان اليوم.

جنوبنا اليوم مغمور في مستنقعات موحلة من المشاكل الممنهجة، وواقعياً نحنُ نخوض حرباً شعواء، وهي تضرب في اقتصادنا وتُقوّض خدماتنا عمداً، وهناك إغراق مُمنهج بالمخدّرات واستهداف للتعليم. هنا علينا جميعاً (قيادة الانتقالي والشّعب) أن نصطفّ معاً للتصدي لها، وعلى القيادة أن ترسم أجندة واقعيّة وشاملة للمواجهة، وأيضاً لحشد كل جنوبنا خلفها لمقاومة كل هذه المصفوفة من الكوارث الجهنمية مجتمعة، أي ألّا نحني رؤوسنا للعاصفة.

هذا هو الواقعي، وعَداه يعني أننا استمرأنا التّقوقع أو التّحويم في الدّائرة المغلقة، وأننا رضخنا لمخططاتهم، وهي تشتغل على كل المحاور والجبهات، وبكل أسف الإقليم يُجاري الكبار ويسير في نفس نسقهم، والدّائرة ستعودُ عليه ولا شك، ولا ننسى أنّ جنوبنا ملغوم بمفاعيل الانفجار والتّشظي، وملغوم بالكيانات الدينية - السياسية المُفرّخة، وبإنشاء النخب والأحزمة الأمنية على أسس مناطقية صرفة، والجهوية والمناطقية تتململ فيه، وكل هذا يستدعي المراجعة والتقييم الجدّي والعاجل، وليس بالجعجعة الفارغة والتّخوين، أليس كذلك؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى