آثار الحرب… تورط أطراف الصراع في اليمن في سرقة آثار تعز

> تعز «الأيام» أحمد عاشور:

>
  • ​321 قطعة فقدها متحف تعز من أصل 1631 فقدت من متاحف ثلاث مدن
  • ساعات وأقلام ذهبية وفضية ومجوهرات ومقتنيات ثمينة
عندما دقت الساعة 11:00 من ظهر يوم السبت 13 أغسطس 2015، أكلت نيران المعركة بين أنصار الله (الحوثيين) ومقاتلي المقاومة الشعبية أركان المتحف الوطني للآثار بتعز (جنوب غربي اليمن)، مدمرة أجزاء واسعة منه.
المتحف الذي افتتح عام 1967، أضحى بين مارس وأغسطس 2015 مخزنًا لأسلحة الحوثيين، الذين تركوه لمقاتلي الجبهة الشرقية، قبل أن تستلمه هيئة الآثار عام 2017، وتبدأ عملية جرد الآثار.

وخلال هذه الفترة تعرضت كل محتويات متاحف تعز إلى السطو والنهب، وفقًا لتقرير رفعته وزارة الثقافة اليمنية إلى الأمم المتحدة، في مايو 2018، وتقرير الحصر رقم 75 الذي رفعته هيئة آثار تعز إلى رئاسة الوزراء في سبتمبر 2018.
في هذا التحقيق نكشف من واقع مستندات حصلنا عليها توالي جماعات الصراع في تعز على سرقة آثار متاحف المدينة، في الوقت الذي لم تجرِ فيه الحكومة المعترف بها دوليًا تحقيقًا عن وقائع ما جرى، أو تقديم المتورطين للمحاكمة.
وفقًا لتقرير أصدرته منظمة مواطنة لحقوق الإنسان اليمنية في نوفمبر 2018، حلت مدينة تعز- العاصمة الثقافية لليمن- على رأس المدن التي تدمرت معالمها الأثرية حيث تدمرت 8 معالم أثرية متنوعة داخل المدينة، بداية من 2014.

مخطوطات تعز
سيطر الحوثيون على تعز في مارس 2015، واتخذوا المتحف الوطني المسمى باسم “قصر العرضي” قاعدة عسكرية لهم، قبل أن ينسحبوا بعد خمسة شهور من المتحف، ومن أجزاء أخرى من المدينة.
تقرير الحصر الصادر في سبتمبر 2018 من الهيئة العامة للآثار والمتاحف بتعز إلى مجلس الوزراء يشير إلى أن متحف الإمام أحمد بن يحيى تعرض “للسرقة والنهب خلال تواجد الحوثيين بداخله”.

وقد كان المتحف، وفقًا للتقرير، يحتوي على قطع أثرية نادرة ومتنوعة منها المخطوطات العربية والمخطوطات العبرية.
بعد انسحاب جماعة أنصار الله "الحوثيون" من المدينة سيطرت على المتحف كتائب الجبهة الشرقية المعروفة باسم كتائب "أبي العباس".

ووفقًا لمستند حصلنا عليه من واقع تحقيق أجراه عام 2017 قسم شرطة الباب الكبير مع مسؤول تأمين المتحف، فإن بوابة مكتبة متحف الإمام كانت مكسورة بالرصاص قبل أن يستلمها.
وضم ملف المفقودات التي قدمته الحكومة اليمنية إلى الأمم المتحدة 147 مخطوطًا عبريًا وعربيًا و14 مصحفًا، هي عينة فقط من مفقودات المخطوطات بمتاحف تعز.
وبلغ إجمالي المفقودات من متاحف تعز 321 قطعة. من إجمالي 1631 قطعة وثق التقرير فقدها من متاحف تعز وعدن وزنجبار.

تسهيل سلب
يشير تقرير الحصر السابق ذكره إلى أنه طوال عامي 2015 و2016 نهبت جميع المقتنيات الأثرية لمتحف الموروث الشعبي المتواجد في منطقة العرضي، بجانب متحف صالة، ولا يحمل المستند أي من أطراف الصراع مسؤولية الاستيلاء عليها.
وفي تقرير منظمة "مواطنة" فإن منطقة العرضي بعد انسحاب الحوثيين وقعت تحت سيطرة كتائب “أبي العباس” ومسلحين من تنظيم “القاعدة”، وكانت المنطقة تخضع في ذلك الوقت، لسيطرة فصائل مختلفة من المقاومة الشعبية.

وينقل التقرير عن شهود عيان أن كتائب أبي العباس “نهبت المتحف” بعد أن أخرجت ثلاث حقائب من العملات والمقتنيات الفضية، وثلاث حقائب أخرى من المقتنيات النحاسية.
ويكشف مستند مؤرخ بـ 8 مايو 2017، أن مقتنيات من المتحف نقلت إلى مقر كتائب أبي العباس، قبل أن تشكل لجنة من هيئة الآثار في تعز، وحتى بعد تشكيل اللجنة، استمر نقل هذه المقتنيات.
إلا أن هيئة الآثار طلبت من المحافظة في أبريل 2018 بأن يتم نقل القطع الأثرية المتواجدة في مقر الجبهة، التي أدرج مؤسسها، عادل عبده فارع (أبو العباس) على قوائم الإرهاب الأمريكية في 2017، بشكل عاجل إلى “البنك اليمني للإنشاء والتعمير” بعد أن تعرض مقر الجبهة إلى القصف.

من داخل الأسوار
أصدر بعدها وزير الثقافة القرار رقم 13 لتشكيل لجنة جرد واستلام مقتنيات المتحف الموجودة في مقر الكتائب في بداية 2019 والتي أنهت عملها في أول مارس 2019.
بعدها بشهر تعلن "الكتائب" عن وجود مقتنيات أخرى داخل مقرها، ثم أعلنت إخلاء مسؤوليتها عن أي سرقات للمقتنيات، متهمة بذلك، في بيان أصدرته في 29 أبريل على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قوات الحشد الشعبي (قوات الحوثيين) التي اقتحمت المقر في مارس 2019، أي بعد انتهاء لجنة الحصر من عملها.

إلا أن التحقيق مع المسؤول عن تأمين متحف تعز، وهو جندي في كتائب أبي العباس، كشف تورط عناصر من الكتائب في سرقة المقتنيات.
وبحسب أقواله في التحقيق الذي أجري معه في 13 فبراير 2017، فإنه سمح لصاحب محل تحف في السوق الشعبية بتعز من الحصول على ساعتين ذهبيتين، وأربع شمعدانات من قصر البدر الملحق بالمتحف الوطني. وبعد بيعها حصل على 300 ألف ريال يمني (1200 دولار تقريبًا/ وفقًا لسعر الصرف وقتها) عمولته في بيع الساعتين، و40 ألف ريال (160 دولارا تقريبًا/ وفقًا لسعر الصرف وقتها) عمولة بيع الشمعدانات.

فضلًا عن عدد من المجوهرات المتنوعة التي وصف حجمها الجندي بأنها “ملأ اليد”، والتي تم بيعها بـ150 ألف ريال (600 دولار تقريبًا/ وفقًا لسعر الصرف وقتها).
وسمح الجندي لصاحب المحل، بالدخول إلى المتحف في مرة ثانية، حينها حصل تاجر التحف على أربعة سيوف. وفي مرة ثالثة حصل على 200 ساعة من متحف الإمام أحمد، منهم 50 ساعة جيب معدنية وفضية وذهبية. بالإضافة إلى 7 خناجر، و35 طقم أقلام فضية وذهبية. بجانب سرقات أخرى لمقتنيات لا يعرف الجندي عنها شيئًا.

ويضم ملف مفقودات الآثار صورًا لـ27 ساعة فضية وذهبية، حائط وجيب. فضلًا عن 8 سيوف وخناجر، عينة من الساعات والأسلحة التي فقدت. بجانب عشرات المجوهرات.
وحصلنا على محضر محرر ضد هذا التاجر لإتجاره بآثار المتحف، إلا أننا عند زيارتنا له وجدناه يمارس عمله بحرية على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أعوام على تحرير المحضر وورود اسمه في التحقيق.

وذكر الجندي المسؤول عن حماية المتحف في بداية التحقيق أن ما دفعه لتسهيل سرقة مقتنيات من المتحف أن أحد كتائب “لواء الصعاليك”، وهو لواء مدعوم من حزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، حصل على سرج خيل أثري من المتحف. وأخبره أن أخذه بعض الأشياء من المتحف حلال “لأنه حوثي”.

وفي التحقيق معه الذي أجري في 2 مارس 2017، ذكر أنه أرسل “عملات فضية من ضمن التي أرسلت إلى الشيخ (أبو العباس)، وقد أحضرت إلى الشيخ عملات في ثمانية أكياس”.
ووفقًا لأحد المصادر في قسم الشرطة، رفض ذكر اسمه، فإن هذا آخر تحقيق أجري مع الجندي، بعدها توقفت السلطات عن استكمال التحقيقات، لورود أسماء “أمراء الحروب” بها.
ووفقًا لمصدر آخر متابع لعملية حصر الآثار الموجودة في مقر أبي العباس، فإن عمليات الحصر والتحقيقات توقفت لعدم تعاون المحافظ.

ضحية للصراع
في فبراير 2018، ناشد جوستفو كوادرا، رئيس اللجنة المشكلة من قبل مجلس الأمن طبقًا للقرار 2140 لسنة 2014 بشأن الأزمة اليمنية، منظمة اليونيسكو بإخطار المتاحف ودور المزادات بأن تصدير وبيع الآثار اليمنية غير شرعي وأن الإجراءات يجب أن تتخذ للتأكد من أن التداولات المتعلقة بالتجارة في التراث اليمني ليست من مصادر تمويل الجماعات المسلحة.

تنص المادة الرابعة في اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية، على أن: “تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة أيضًا بتحريم أي سرقة أو نهب أو تبديد للممتلكات الثقافية ووقايتها من هذه الأعمال ووقفها عند اللزوم مهما كانت أساليبها، وبالمثل تحريم أي عمل تخريبي موجه ضد هذه الممتلكات. كما تتعهد بعدم الاستيلاء على ممتلكات ثقافية منقولة كائنة في أراضي أي طرف سام متعاقد آخر”.

الدكتور ديرك فينشم، أستاذ القانون بجامعة ساوث تكساس، يرى أن هذه الاتفاقية لن تجدي نفعًا في حالة اليمن التي تصنف باعتبارها حربًا أهلية، تتشابك فيها عدة أطراف داخلية وخارجية.
على الرغم من أن اليمن وقعت على هذه الاتفاقية، حصلنا على مستندات تتهم عناصر من الجيش اليمني بسرقة مخازن المتحف الوطني بتعز.

تسلل إلى المخازن
وجهت هيئة الآثار في تعز في فبراير 2019 تقريرًا إلى وزير الثقافة تخطره بأن المتحف الوطني في تعز مازال يتعرض "للعبث والنهب على الرغم من تواجد أفراد الأمن الخاص داخله".
يوجه المستند اتهامًا إلى أفراد اللواء 22 ميكا التابعين إلى الجيش اليمني، والذين يتواجدون في مقر قيادة الشرطة العسكرية بأنهم تعدوا على المخازن الخاصة بالمتحف والمجاورة لنادي الضباط، ونهبوا المخازن.

ويشير المستند إلى أنه "سبق وأن تم الإبلاغ عن أعمال نهب وسرقة تمت في المتحف أثناء تواجد الأمن الخاص، وطلبنا منكم (وزير الثقافة) تشكيل لجنة للتحقيق في الحالة، وإحالة المتهمين إلى العدالة للتحقيق معهم إلا أنكم لم تعيرونا أي اهتمام".
ويشير مصدر من وزارة الثقافة إلى أنه على الرغم من مرور أكثر من عامين على هذه السرقات، لم يفتح التحقيق في الأمر؛ لأن المتورطين يقاتلون ضمن صفوف الجيش الوطني، بل أن المحبوسين بتهمة التورط في سرقة آثار تعز خرجوا من السجون من دون محاكمة.

* أنجز هذا التحقيق بدعم من أريج.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى