> للسلطة الرابعة (الصحافة) في البلدان المتقدمة والمحترمة مكانة مرموقة، ويمكننا القول في البلدان المؤسساتية التي للقانون فيها سيادته على الكل، إنها الدينامو المحرك للرأي العام، والأخير هو التيار الجارف الذي بإمكانه اقتلاع حكومات وزلزلة عروش أنظمة، وتقريبا لهذا كُنيت الصحافة بالسلطة الرابعة.

* هنا سأتطرق لجزئية ربما تكون ذات شأن لعلاقة سلطاتنا بالصحافة، وهي تعكس عقلية السلطة ومدى وعيها بالأدوار المنوطة بأجهزتها والأدوات الأخرى في محيطها، ومنها الصحافة، والأهم في مدى تعاطي وإستيعاب السلطة لمفهوم المسؤوليات وتبعاتها، وهنا نلمس أن سلطاتنا مهترئة هشّة بكل المقاييس، وتفتقر إلى مبدأ المحاسبة الغائب بالمطلق عن قاموسها، إذ لم يحدث أن وقف مسؤول ما ذات يوم للمحاسبة على عبثه وفساده أو فشله!

* هذا يعني أننا نعيش في ظل اللادولة، وهذا واقعي، حتى في عهد عفاش، وهذا كثيرا ما كان يجأر بالصراخ عن دولة المؤسسات ودولة النظام والقانون، وفي الواقع كان هو بشخصه كل المؤسسات والقانون، هو وأتباعه النافذون، وبأمانة، في عهد دولتنا الجنوبية توافرت معايير الدولة المؤسساتية، وكل شخص عرف مسؤولياته وصلاحياته، ويعرف خلفيات الخروج عنها، مهما كبر شأنه.

* هنا لدينا صحافة لها ثقلها وعراقتها ورصيدها كصحيفة "الأيام"، التي وجدت منذ عهد الاستعمار، وقارعته وزلزلت عرشه، وأوجدت لنفسها حضورا مكثفا في المشهد السياسي والمجتمعي، وما انفكّت، وهناك صحف الأمناء وعدن تايم اللتان جاءتا بعد الوحدة بزمن، وهما أفرزتا لنفسيهما حضورا في اهتمامات القراء، وإن كان ثمة تباينات بينهم جميعا في الأداء والانتشار وخلافه. وكل هذه الصحف تتعرض فيما تتعرض له لأداء السلطة عموما، لكن السلطة بمختلف مستوياتها تتعاطى بلامبالاة مع ما يُنشر، وهذا ديدنها أصلا.

* هنا يتجسد جوهر العلاقة بين السلطة والصحافة، وللصحافة كما أسلفنا تأثيرها البالغ لدى العامة، وهي ستتعاطى بمبدأ المعاملة بالمثل ولاشك، ومن يهمل ما تتناوله ستهمله، والشارع يدرك جيدا عدم أهلية معظم طاقم السلطة بالنسبة لتبوء مناصبهم، ولذلك ستضاعف الصحافة من دفع مقت الشارع للسلطة، ويمكن أن تُوجه الشارع وتُفاقم من موجة غضبه إذا غضب، ولذلك سعى عفاش جاهدا لتقويض صرح "الأيام"، وعرض الشيك المفتوح لشرائها بهدف إغلاقها، ولكن طلبه قوبل بالرفض البات .

* وفي جزئية جانبية، قد يكتب بعض الكتاب أو السياسيين أو المحللين موضوعا أو تقريرا ما ... إلخ، وعندما يتعرض فيه إلى الرئيس أو نائبه أو رئيس الحكومة أو وزير ما، فقد لا يقرنه بتوصيف "صاحب الفخامة" أو "صاحب المعالي" وهكذا، والسبب لأنه غير مقتنع بأنهم أهلا بالفعل لمناصبهم، يتساوق ذلك مع قناعة القائمين على الصحيفة، وينشرونه مجردا كما هو، هذا له دلالات ربما لا يستوعبها أصحاب السلطة، لأنّ المسألة هي مسألة رضى الناس بمن يحكمهم، وما بالنا بالنسبة لسلطة تجوع شعبها وتنهكه؟!