هبة بعد هبة

> الحضرمي عزيز نفس، لا يمد يده للتسول ولا يبحث عن طعام في زبالة، بل أكاد أجزم بأنها حالة جنوبية عامة، فالتسول في ثقافة الإنسان الجنوبي مذلةٌ، وقد يموت جوعاً ولا يمد يده، لسنا ملائكة لكننا نعتبر التسول عيباً كما كنا نعتبر الرشوة نقيصة في ثقافة الإنسان الجنوبي بوصف الرشوة صورة من صور التسول بالابتزاز.

رأينا رجالاً ونساء في حضرموت يذرفون الدموع من شدة الحاجة، ورأيناهم كذلك في عدن وفي باقي محافظات الجنوب، لكن الحديث عن حضرموت له معنى مختلف، فأكثر تجار الجنوب حضارم وأكثر مناطق الجنوب ثراءً هي حضرموت، وحيث ما حل الحضرمي حلت معه التجارة والربح في أي بقعة من الأرض ووصل الحضرمي إلى مجاهل أفريقيا ينشر الدعوة ويصنع الثروة ليصبح الحضرمي ملاذاً من الجوع، وحيث ما حل لا تخلو سجلاته من دين على الزبائن.

هذا الإنسان الذي يصنع الثروة ويتمتع بكل صفات غنى النفس أصبح اليوم يصرخ من الجوع، نعم الجوع، ورأينا نسوة من أولئك اللاتي يسري عليهن القول (تموت الحرة ولا تأكل من أردافها) رأيناهن يبحثن في الزبالة عما يسددن به رمق أطفالهن.
ماذا ننتظر، بعد كل ذلك، لنهب هبة رجل واحد في كل الجنوب، لنصرة حضرموت ولنصرة كل الجنوب لوضع حد لهذا الوضع المأساوي الذي يعيشه أبناء الجنوب في كل جغرافيا الجنوب بدون استثناء؟

الهجمة البلهاء على الهبة الحضرمية الثانية، التي يشترك فيها بعض بني جلدتنا، لا يقدمون حلولاً، ولا يرون مأرب التي أصبحت دولة برئيسها، لا ينقصها إلا العلم والنشيد الوطني، يعيش أهلها وضعاً مختلفاً عن أي منطقة محررة بما في ذلك أسعار الغذاء والوقود، فيما رؤساء السلطات المحلية في الجنوب (يهزونها وهي في الجفير) كما يقول المثل، ما عدا جهود محمودة يبذلها محافظ عدن لم تنجح في كبح جماح غول الغلاء بسبب التضخم الذي صنعته حكومات الفشل المتعاقبة، وعجزها عن دفع مستحقات الناس.

قلنا ذات يوم إن حضرموت هي قاطرة الجنوب، ولم يكن يتخيل أحد أن يصل الحال الجنوبي البائس إلى حضرموت أرض الثروة والتجارة، وتجري سرقة ثرواتها نهاراً جهاراً إلى (قرى) العربية اليمنية، ويقول أهل علم الاجتماع إن الضغوط التي تعصف بالناس تولد الانفجار، قد يبدأ انفجار سلبي من خلال لجوء الناس إلى وسائل سلبية لكسب العيش، لكنه في مرحلة ما يتحول إلى انفجار إيجابي تثور فيه الناس، هبة بعد هبة، وستجد وسائلها لإدارة شؤونها بنفسها بمعزل عن سلطة الفشل متعدد الأوجه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى