تعقيدات الوضع الراهن

> حقق شعبنا إنجازا لا يستهان به في استعادة هويته، وتثبيته في الوعي السياسي والمجتمعي الجنوبي، في إطار المجتمع الإقليمي والدولي، وفي حقه في استعادة دولته بعيدا عن الإسراف في تحميل الواقع وتصويره في غير حقيقته.
ينبغي أن ندرك ونقر بأن أمامنا صعوبات وعقبات لا نستطع القفز عليها نحو تحقيق تطلعاتنا السياسية، رغم كل التضحيات الجسام التي قدمها شعبنا، وتفاؤلنا الكبير أو ثقتنا بشعبنا العظيم في التمسك بحقوقه المشروعة وتطلعاته في الحرية والاستقلال.

هذا الواقع يشير إلى أن التحالف العربي والهيئات والمنظمات الدولية، وفيها الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي لا زال ينظر إلينا بأننا جزء من الجمهورية اليمنية، ولكنهم يدركون أننا شعب مستقل، وأن لنا وطننا وهويتنا الوطنية المستقلة، حتى إن كان المفهوم الذي يتعامل به مجلس الأمن في بياناته وقراراته، والإحاطات التي يقدمها المبعوثون الأمميون، ووصف الوضع بالحالة اليمنية، ولم ترد الجمهورية اليمنية في تلك القرارات، لكن ذلك لا يعني كثيرا، فالحكومة اليمنية معترف بها دوليا وبشرعية الرئيس هادي.

وما ينبغي أن يثير الاهتمام أن كل الاجتماعات والندوات والورش الدولية تتحدث عن الجمهورية اليمنية، حتى تلك التي يشارك فيها جنوبيون يحملون مشروع الدولة الجنوبية المستقلة. ولا زال العالم ينظر إلى أن نضالنا من أجل استعادة دولتنا بعد أن فشل إعلان الوحدة في 22 مايو 1990م، على أنه حركة انفصالية، وهو عكس حقيقة الأمر، فموضوع الانفصال لا ينطبق على حالتنا التي كنا دولة، ودخلنا في إعلان وحدة مع الجمهورية العربية اليمنية، فشل وشبع موتا، وقد أكد ذلك مؤتمر حوار صنعاء، وأكد على ثنائية الوحدة، هذا المفهوم كرسه وما زال نظام صنعاء، أكان الجزء الباسط على صنعاء أو الجزء الهارب في الخارج.

والواقع الحالي أن المجلس الانتقالي، وفقا لاتفاق الرياض، يشارك في حكومة المناصفة بين الجنوب والشمال، ورغم أن ذلك يعد تأكيدا بثنائية الجنوب والشمال، لكن في إطار الجمهورية اليمنية؛ لأنهم لا يعترفون بحق شعب الجنوب في استعادة دولته، ولهذا كان الحل الذي وضعه مؤتمر حوار صنعاء غير عادل وغير منصف لشعب الجنوب؛ ولهذا رفضه شعبنا جملة وتفصيلا، خصوصا أن كل الحلول التي يضعها نظام صنعاء يشاركها مع ممثلين للجنوب يختارهم هو، وهذا أمر معلوم لكل الشعوب، أن بإمكان المحتل أن يجد في أي شعب محتل عناصر عميلة لهذا الاحتلال، تتماهي معه، وقد مارس نظام صنعاء ذلك، وما زال حتى اليوم يحاول أن يختار ممثلين للجنوب كما يحلو له، خصوصا بعد أن تم إقصاء قادة الجنوب وجيشه ومؤسساته المدنية والعسكرية في حرب صيف 1994م.

وبعد قيام المجلس الانتقالي الجنوبي من رحم المقاومة الجنوبية والحراك السلمي الجنوبي، شنوا عليه حربا بهدف إجهاضه وتفريخ مكونات منافسة أو بديلة، وفشلت فشلا ذريعا، لكنها شوشت على الحقيقة، هذا التشويش جعل التحالف والمجتمع الإقليمي والدولي يرى أن المجلس الانتقالي الجنوبي ليس الممثل الشرعي الوحيد للجنوب، ويعترف أن هناك مكونات أخرى صغيرة تعمل على الساحة الجنوبية، هتان الإشكاليتان: أن الجنوب جزء من الجمهورية اليمنية، وأن الانتقالي ليس الممثل الوحيد لشعب الجنوب، هما أهم تحديان رئيسان أمام شعب الجنوب اليوم.

وهناك تعقيد آخر يقف أما شعبنا، يتمثل في الحرب القائمة، وفي تمسك التحالف العربي والمجتمع الدولي والإقليمي بالمرجعيات الثلاث، رغم أن الكل يعرف أنها قد تأكلت، وأنها كانت من أسباب الحرب وإطالتها. وعلى الأرض، ما تم إنجازه على طريق تحقيق تطلعات شعب الجنوب ليس بالقليل، فهو إنجازات عظيمة في زمن قياسي، وذلك بفضل التضحيات الجسام التي قدمها شعب الجنوب العربي، أكان في نضاله السلمي أو في مقاومته المسلحة، وقد وضعت شعبنا على الطريق الصحيح لتحقيق تطلعاته السياسية.

وهناك شبه إجماع جنوبي على تلك التطلعات بعزيمة وإصرار لا يلين، وتم إنجاز أسس هامة لبناء الدولة الجنوبية، لكن الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية والخدمية ما زالت تؤثر بشكل كبير على السير نحو تحقيق الإنجاز الأعظم في الاستقلال وبناء الدولة الجنوبية المستقلة كاملة السيادة على حدود ما قبل 22 مايو 1990م.
إن حل قضيتنا، كما يراها التحالف العربي، مؤجل إلى ما بعد الحرب، ويكون حلها ضمن الدستور الجديد، ووفق روية القيادة الشرعية التي ستنتجها التسوية السياسية بعد الحرب، وهذا يعني أننا سنظل في إطار الجمهورية اليمنية إلى ذلك الحين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى