حرب يدفع المستهلكون ثمنها

> فاروق يوسف

> ​كما لو أن أوكرانيا كانت تطعم العالم. كما لو أنها كانت الممر الوحيد لشحنات النفط والغاز إلى عدد كبير من الدول. كما لو أنها أكبر بورصة للأسهم والنقد العالمي. لم يمر أسبوع على الحملة الروسية حتى اضطربت الأسواق وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية وقفز سعر النفط واختلت الموازين في البورصات وفي أسواق بيع العملات.

أليست هناك مبالغة في الأمر سعيا وراء التغطية على عملية نهب عالمية تقوم بها الشركات من أجل تعويض خسائرها حين واجه العالم بطريقة مرتجلة جائحة كورونا؟ انتهى زمن كورونا الذي كان زمنا مشؤوما وبدأ زمن أوكرانيا الذي سيكون زمنا متفائلا. ولكن البشرية التي تدفع الآن الثمن مجبرة لم تربح في الشؤم ولن تربح من التفاؤل.

خفة في اللعب من غير مساءلة. اللاعبون الكبار كلهم ينتمون إلى المعسكر الرأسمالي. المشهد السياسي في الدول صاحبة القرار أو ما تُسمّى  بالدول الكبرى لا يُبشر بخير. يستثني البعض الصين من منطلق الثقة العقائدية ولكن الصين وهي مصنع العالم هي المستفيدة الأولى من كل هذا الاضطراب. لن تقول إلى أحد “اطمئن”. فهي لا تقوى وسط هذه الفوضى أن تلعب دورا مختلفا. هي الأخرى متضررة ومنتفعة. وهي الجهة المؤهلة للرد على العقوبات الغربية التي فُرضت على روسيا. ولكنها تعرف أن أضرار العقوبات ستكون مؤقتة.

يشعر المرء أن حملة بوتين ضرورية لعالم الشركات. وهي لذلك ضرورية للغرب الذي لم يسع لإلغاء أسبابها. كان من الممكن ألّا تكون هناك حرب لو تُرك الرئيس الأوكراني غارقا في هذيانه القومي إلى أن يعي أنه بات وحيدا في مواجهة الوحش الروسي الذي يستعد لافتراسه فيصمت ويتوقف عن تحديه الفارغ ويسلم بالحقائق التي تسعى روسيا للإقرار بها. ليس الغرب بريئا في هذه النقطة لا من منطلق سياسي فحسب بل وأيضا من منطلق اقتصادي.

لقد بدأت باسم أوكرانيا حملة استنزاف اقتصادي غير مسبوقة. بعد أكثر من سنتين من الخسائر تسعى الشركات لاسترجاع أموالها. لا يهم إن وقع ذلك عن طريق الكذب والتزييف والمتاجرة بالخوف والترويج لهلع التسوق بين أوساط بشر صدقوا أن الحرب العالمية الثالثة على الأبواب وأن كييف ستكون موقع الصراع النووي.

ومن أجل أن تتخذ الكذبة شكل الحقيقة فإن جهات كثيرة غير متوقعة صارت تساهم في إطلاق بالونات اختبار. أحد أسواق التجزئة في بريطانيا يعلن أنه سيتوقف عن بيع الفودكا الروسية. كان ذلك الإعلان سببا في أن تفرغ مخازن ذلك السوق من ذلك الشراب الكحولي. لو لم تكن الحرب لما كان هذا التحايل. ولكنها حرب على المستهلك الذي لا يملك القدرة عن الدفاع عن نفسه. هناك جمعيات للدفاع عن حقوق المستهلك ولكنها لا تقوى على مواجهة حيلة هي جزء من حرب الأعصاب التي يشنها الغرب على بوتين شخصيا.

“ستقوم الحرب الثالثة”. ليس في إمكان جمعيات حماية المستهلك أن تقول “لن تقوم تلك الحرب”. لذلك انهار المستهلك وقبله انهارت أسواق المال وأُجهضت محاولات دول أوبك في السيطرة على سعر النفط. كرة الثلج ينبغي أن تتدحرج. يجب ألا تمر الحملة الروسية من غير أرباح. صارت أوكرانيا هي قلب العالم وليس ذلك الجزء المتمرد من روسيا. وهي في حقيقتها التاريخية كذلك. يُقال إنها دولة ذات سيادة وهي حجة مضحكة في عالم تُديره الولايات المتحدة التي غزت العراق عام 2003 وكان دولة مستقلة وذات سيادة.

أوكرانيا ليست كالعراق. ذلك ما يقوله الغربيون وهو صحيح. فالعراق لم يكن ذات يوم جزءا من الولايات المتحدة التي غزته فيما كانت أوكرانيا جزءا من روسيا يوم كان الاتحاد السوفييتي قائما. وهي جزء من روسيا أيضا لأن أوكرانيا اختراع روسي. لو أن تلك الحقيقة التي تخفيها وسائل الإعلام بين السطور قد تم تسليط الضوء عليها وصارت واضحة بالنسبة إلى حشود المستهلكين لما استطاعت الشركات أن تنهبهم بالاشتراك مع الحكومات. ذلك هو الفساد في أعلى صوره.

الإعلام والحكومات والشركات في جبهة واحدة ضد المستهلك المسكين. ذلك الفرد الأعزل الذي صار عليه بسبب الضخ الإعلامي أن يصدق أن بوتين هو السبب في ارتفاع أسعار البقوليات. ما هذا المزاح الثقيل؟ لا أحد في إمكانه أن يصدق كل هذا الهراء ولكن الشركات التي دفعت في اتجاه الحرب لا تزال مستعدة لأن تفعل الأسوأ.

العرب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى