التغيير الاستراتيجي

> الوضع السياسي الراهن في منطقتنا تشكله معادلة التغيير في النهج الاستراتيجي للقوى المناهضة للحوثي لمعالجة الأزمة اليمنية، الذي يمكن ملاحظة مؤشراته منذ الاتفاق على الهدنة التي بدأت في 2 أبريل 2022م، وما يطالب به الحوثي مقابل الهدنة، هذا التغيير من استراتيجية الحرب على الحوثي لإنهاء الانقلاب وعودة الشرعية إلى صنعاء، والذي تراجعت إلى الضغط على الحوثي للجنوح إلى السلام والانخراط في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، إلى استراتيجية إنهاء الحرب والانتقال إلى الحلول السياسية، بعد أن تؤكد أن الحرب لن تصنع نصرًا، وما شكلتها الاعتداءات الحوثية على أراضي أهم دولتين في التحالف العربي وعلى خطوط الملاحة الدولية من خطورة، أثرت في مسار الحرب.

وفي الوقت الذي كان التحالف العربي في ظل استراتيجية الحرب يرى أن وجود الرئيس هادي ومساعديه الذين يمثل الشرعية اليمنية، والذي طلب التدخل العسكري في حالة ضعف وحكومته غير قادرة على تحقيق نجاحات حقيقية، ويعيش خارج اليمن في عاصمة أهم دولة في التحالف، وأنه يعتمد في الحرب على المقاومة الجنوبية، وعلى قوات عسكرية جديدة لا تخضع لحكومته، وأهمها القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات العسكرية التابعة لطارق عفاش التي تتمركز في الساحل الغربي، بعد انهيار القوات اليمنية الحكومية إثر انقلاب الحوثي، وما تبقى منها تحت قيادة حكومة هادي (عمليًا يقودها حزب الإصلاح جناح الإخوان المسلمين في اليمن) وهي قوات ضعيفة ينخرها الفساد، وتم إغراقها بالكشوفات الوهمية والعناصر غير المدربة، وغير المؤهلة للعمل العسكري، ضعيفة الولاء لحكومة هادي، وقد دخلت في معارك جانبية مع القوات التي تحقق نجاحات في حربها مع الحوثي، وجزء كبير منها مجمد في وادي حضرموت والمهرة ومشكوك في ولائها، وظهرت في صفوفها الخيانات وقد ربما أن ذلك الوضع كان يعطي مرونة لتحرك التحالف في الداخل اليمني بحرية مطلقة، لكنه لم يحقق النجاحات المأمولة، فحاول التحالف توحيد تلك القوات حيث كانت أول محاولة له في اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، ومع التغيير في استراتيجية التحالف والميل باتجاه السلام والتسوية السياسية فقد كانت مشاورات الرياض التي نقلت فيها صلاحيات هادي ونائبه علي محسن إلى مجلس القيادة الرئاسي الذي يمثل أعضاؤه أهم القوات على الأرض المحررة، وتم نقل العمل إلى العاصمة الجنوبية عدن بهدف توحيد الجهود وتعزيز عملها على الأرض، وإعطاء رسالة محفزة للحوثي مفادها خيار الجنوح إلى السلام وبقيادة جديدة وموحدة، ومن على الأرض الجنوبية وليس من الخارج، أو حرب ستكون سريعة وخاطفة وقوية تتوحد فيها كل القوى المناهضة له، ورسالة أخرى للجنوبيين مضمونها أن وجود مجلس القيادة الرئاسي وحكومة المناصفة التي كانت تشكوا من عرقلة عملها من قبل مؤسسة الرئاسة في عدن سيعمل على تحسين الأوضاع المعيشية والخدمية في المناطق المحررة ( الجنوبية)، وقد جاء هذا التغيير في الاستراتيجية متماشيًا مع الهدنة التي عقدت مع الحوثي لمدة شهرين والتي ستنتهي في 2 يونيو القادم، وفي ظل تكثيف عمل المبعوث الدولي باتجاه السلام والحلول السياسية، وتحركات المبعوث الأمريكي في نفس الاتجاه، وإجراء مفاوضات في عدة عواصم عربية كل ذلك ليس ببعيد عن تأثير الحرب في أوكرانيا.

لقد مضى حوالي شهران منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي ولم نلمس له نجاحات حقيقية لعدة أسباب أهمها:

1 - يضم المجلس جهات مختلفة لديها أجندات سياسية مختلفة وهي في حالة جس نبض بعضها من بعض، لم تنطلق نحو الأهداف التي تجمعهم بعد.

2 - اختلال الثقة بين دول التحالف وحكومة هادي لها تأثيرها على العلاقة اليوم مع مجلس القيادة، وتحتاج إلى تغيير في نظرة كل منهما للآخر، وإلى وقت لتغييرها نحو الأفضل، وإلى إصلاحات مهمة لكي يحظى المجلس بدعم كبير من دول التحالف الذي يعتمد عليه المجلس اعتمادًا يكاد يكون كليًا بسبب تدهور الموارد المحلية.

إن الحكم على نجاح مجلس القيادة الرئاسي يعتمد على كيفية أداءه العسكري في الحرب، والأداء السياسي في السلام والحلول السياسية، وعلى تحسن الأوضاع في المحافظات المحررة.

وفي ظل هذه الأوضاع فأن على المجلس الانتقالي الجنوبي أن يستلهم الوضع السياسي الراهن وآفاقه المستقبلية ويلتقط الفرص والتهديدات.

ومن الاحتمالات المتوقعة والأكثر قربًا إلى الواقعية أن يتوسع مجلس القيادة الرئاسي إذا ما وافق الحوثي على وقف الحرب والانضمام إلى المجلس، فالمجلس مصمم على هذا الأساس، فهل سيواصل المجلس الانتقالي العمل في إطاره أم سيغادره؟ وماهي الوجهة في كلا الحالتين؟ ففي حال استمر الانتقالي في المجلس فإن الكل سيتحد ضده عسكريًا وسياسيًا، وكذا الحال في حال خروجه وهذا تهديد يجب أن يكون مستعدًا له.

إن أهم مكسب حققه الانتقالي في مشاورات الرياض مقابل مشاركته في مجلس القيادة الرئاسي وحكومة المناصفة هو التأكيد على استكمال ما تبقى من خطوات في اتفاق الرياض وخصوصا نقل القوات من وادي حضرموت والمهرة، ومعالجة أوضاع القوات في شقرة، وإدراج قضية شعب الجنوب في أجندات مفاوضات وقف الحرب، لوضع إطار لها في مفاوضات وقف الحرب وحلها في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، فإذا ما تفاجأ المجلس بموافقة الحوثي على تمديد الهدنة أو وقف الحرب ولم ينفذ ما ذكر سابقًا، فأنه يكون قد خسر ما حققه في اتفاق الرياض ومشاورات الرياض، والأخطر من ذلك أنه سيكون في مواجهة مع اليمنيين وهم متحدين ضده، لهذا ينبغي أن يدرس مثل هذا الوضع في مثل هذا السيناريو ويواجهه قبل حدوثه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى