​الخليج وتجارة الوهم الأميركية - الإسرائيلية مع إيران

> لندن «الأيام» عن العرب:

> أمضت دول المنطقة عقودًا من الزمن وهي تتعامل مع وهم اسمه "قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لإيران". هذه الضربة لم تأت.

يمكن لدول المنطقة أن تشتري أي شيء، ولكن ليس أوهاما وأكاذيب، فسدت، ثم تعفنت، على امتداد ثلاثة عقود

 وها أن ظروفًا جديدة تنشأ لترويج المزاعم نفسها ومحاولة بيعها لدول مجلس التعاون الخليجي، على أنها شيء "حقيقي" ويتعين الاستعداد له.

منذ تسعينات القرن الماضي، وأجهزة الدعاية الأميركية والإسرائيلية تبث المزاعم نفسها عن وجود خطط واستعدادات لمواجهة عسكرية أميركية أو إسرائيلية ضد إيران.

 ووصل الأمر بوزارة الدفاع الإسرائيلية في آخر حكومة لبنيامين نتنياهو أن طلبت مليار دولار لتحديث خططها، وكان الأمر مثيرًا للسخرية، ليس لأن إسرائيل كانت ترغب بأن تجد من يمول لها هذا "التحديث"، بل لأنها لم تستخدم أيا من خططها السابقة، إلى درجة سمحت بالتساؤل عن الفائدة من وراء تحديثات تظل مجرد مخادعات مبتذلة.

ويقول محللون سياسيون إن الغايات الرئيسة من وراء هذه المخادعات تتضمن بيع المزيد من الأسلحة، وربط أمن المنطقة بالولايات المتحدة باعتبارها "حامي الحمى"، وتيسير مصالحها التجارية على حساب منافسين دوليين، وأخيرًا تسويق المشاركة الإسرائيلية في شؤون المنطقة الأمنية، وهذا ما يحصل الآن بالدعوة إلى إنشاء "قبة حديدية" مشتركة لحماية دول المنطقة من الصواريخ الإيرانية.

لكنّ جانبًا من هذه القبة سوف يعني تعزيز الدفاعات الإسرائيلية، بمعنى آخر أن يقوم الشركاء الذين "يستفيدون" من هذه القبة بتمويل هذه الدفاعات. وكأن أمن إسرائيل أصبح واجبًا على دول المنطقة الأخرى.

ثم إن هذه القبة التي لم تنجح مع صواريخ حماس البدائية، كيف ستنجح مع صواريخ إيران؟
وغالبا ما يجري تسويق "سياسات دفاعية" من هذا النوع بوسائل مختلفة وتجارة الخوف من إيران جزء منها.

وبعد الكثير من الحقائق الملموسة، بات يمكن القطع أن حربًا تشنها إسرائيل أو الولايات المتحدة ضد إيران لن تقع، وأن إيران نفسها لن تبدأ هذه الحرب، حتى ولو بقيت تتلقى بعض قرصات البعوض التي تشنها المخابرات الإسرائيلية لأغراض الإثارة والتشويق. وهو ما يعني أن أي قرش، أو أي مشاركة في تلك الخطط الوهمية، سوف تكون عبطًا وتورطًا لا مبرر له في تجارة الأوهام.

هذه الحرب المزعومة لم تعد مفيدة أصلًا الآن. في الثمانينات كان الأمر معقولا، كما ظل معقولا على امتداد العشرين عاما التالية، ولكنه ليس مفيدًا الآن، وهو غير ممكن أصلًا.

وهو ليس مفيدًا، وفق المحللين، لأن النتائج لن تكون واضحة. وغير ممكن، لأن العواقب الاقتصادية على دول المنطقة، والعالم بأسره، ستكون وخيمة إلى درجة لا يمكن تخيلها أيضا.

ويعتبر أحد المحللين العرب أن العراق هو البلد الوحيد المؤهل جغرافيا وسكانيا لخوض الحرب وكسبها، لكن العراق الآن ضعيف، فاشل ومُحتل.

ثم إن هذا الأمر ليس مفيدا، لأن حربا خارجية سوف تخدم بقاء النظام الإيراني الذي يخوض حربا ضدّ شعبه. وغير ممكن، لأن أعمالا عسكرية تهدد أمن حقول النفط ومياه الخليج، في ظل الحرب الجارية في أوكرانيا، والتضخم الصاروخي في أسواق العالم، سوف تعني دمارًا شاملًا للنظام الاقتصادي الدولي نفسه.

كيف يمكن، على هذا الأساس، التورط بوهم مفضوح إلى هذه الدرجة؟ ومن هم الذين يمكن أن يصدقوه أو يرهنوا قدراتهم، أو بعض قدراتهم له؟
ويشير هؤلاء المحللون إلى أن الخيار الذي تتبناه الإمارات تجاه إيران هو الصحيح، بل هو الوحيد الصحيح. وعنوانه: لا حرب، ولا منازعات أصلًا، وعندما تتأمل في جوانبه المختلفة سوف تكتشف أنه صفعة على وجه الأوهام كلها.

والأصل في هذه المقاربة هو أن نظامًا عدوانيًا مثل نظام الملالي إذا كان لم يورث المنطقة إلا الاضطرابات، فإنه لم يورث شعبه إلا الفقر والتخلف ومشاعر القهر والإحباط هذا الشعب، هو الذي يتعيّن أن يتصدى لمهمة التغيير، لا نحن. التغيير في إيران ليس من شغلنا أصلا.

وبالنسبة إلى المقاربة الإماراتية، فإن الأمر نفسه يشمل الجميع، بما في ذلك تركيا وإسرائيل وأيا كان "نحن نمد يد التعاون لخدمة المصالح المشتركة، أما التغييرات العنيفة وخاصة تلك المصحوبة بنزاعات مسلحة مع الخارج، فإنها آخر ما يمكن أن ينفع".

وعندما كان الأمر ممكنًا، فقد خاض العراق حربًا دامت ثماني سنوات. وكانت ناجحة بالمعنى العسكري للكلمة، أي أنها فرضت الهزيمة على إيران، ولكن ماذا حصل من بعد ذلك؟ لا شيء سوى عودة الخراب من جديد، حتى أصبح العراق "المنتصر" خاضعًا للاحتلال الإيراني. بعض السبب جاء من غزو الولايات المتحدة التي سلمت هذا البلد على طبق من فضة لعصابات إيران وميليشياتها. ولا حاجة للمخادعات بالزعم أن واشنطن لم تكن تعرف من هم الذين تسلموا الطبق. كذبة كبيرة كهذه لا داعي لها. كانت واشنطن تعرف جيدًا أنها سلمت العراق لإيران عن طريق عصاباتها، أملا بالشراكة! وباقي القصة معروف.

على دول الخليج أن تشتري من بايدن كل شيء إلا الأوهام

ويعتبر المحللون أن الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه، الذي يستعد للقدوم في جولة للشرق الأوسط من أجل بيع الأكاذيب والصفقات الوهمية، كان شريكا بكل ما بقي من القصة عندما أشرف هو ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على تنفيذ "الاتفاق الأمني الأميركي – العراقي" (أي الأميركي – الإيراني) الذي وقعه أسلافهم في العام 2008 في عهد حكومة نوري المالكي الأولى. كانوا يريدون تخفيف عبء الاحتلال بمنح السلطة للميليشيات والعصابات الإيرانية على أساس هذا الاتفاق.

ما يعني أن بيع الأوهام ظل تجارة رابحة للولايات المتحدة. وإسرائيل تريد الآن حصتها من هذه التجارة.

الأولى بكل دول الخليج أن تتبنى المقاربة الإماراتية: لا حرب. ومن يريد أن يحارب فليفعل ذلك بنفسه

ويشدد أحد المراقبين العرب على أنه أولى بكل دول الخليج أن تتبنى المقاربة الإماراتية: لا حرب. ومن يريد أن يحارب فليفعل ذلك بنفسه. أما الدفاعات فيمكن أن "نشتريها كما نشتري أي سلعة أخرى. من هذا الطرف أو ذاك. من دون أوهام ولا خطط مزيفة".

أما إيران فتتصرف بعدوانية لأنها مأزومة. وأزمتها الأهم في داخلها وليست في الخارج، مشاريع إيران الخارجية محكومة بالفشل لأنها تناطح بيئة اجتماعية عريضة تعتبرها كيانًا منبوذًا، يستعين بثقافة طائفية سخيفة، ويقوم بتسويقها رجال دين منحطون أخلاقيًا ودينيًا. وبالتالي فإن سوقها لن يفلح.

وفي الأثناء، يريد بايدن أن ترفع الدول النفطية إنتاج النفط؟ لا توجد مشكلة في ذلك. أواني النفط المستطرقة تظل هي نفسها. ما يزيد أو ينقص في مكان سرعان ما يعود ليتساوى بين العرض والطلب.

يريد أن يبيعها سلاحًا؟ ممتاز. سوف تشتري منه ما يتردد في تسليمه!

شن حرب مع إيران وهم نبيعه لكم منذ سنوات

والولايات المتحدة التي ظلت تهرب من أمام إيران وتسحب قواتها من مكان إلى آخر في العراق حتى وصلت إلى خارجه، مثل كل جبان يهرب من المواجهة، لا تملك إلا خططًا وهمية في مواجهة إيران. أما إسرائيل فإنها أجبن من حليفها الرئيس بكثير. فهي لا تملك الجرأة، وقرارها الأمني ليس بيدها أصلًا.

وباختصار، يمكن لدول المنطقة أن تشتري أي شيء، ولكن ليس أوهامًا وأكاذيب، فسدت، ثم تعفنت، على امتداد ثلاثة عقود أو أكثر من الزمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى