​العقل يا سُمّار

>
انقلب الزمن، صار الليل للسهر والنهار للنوم، نكبة أصابت الرئيس والمرؤوس.

يروي لنا كبار السِن في زمن النِت الحاضر أن الناس كانت تستيقظ مع أول شعاع ضوء من الفجر قبل أن تدهم عليهم صحون القنوات وهذه القِطَع المستطيلة من التلفونات السيّارة.

جاؤوا بالواتس للمراسلات الطويلة التي لا ينفد حبرها، وأصوات وصور اليوتيوب، وينشر السامرون كلماتهم على جدار الفيسبوك، وهو حائط عريض يتسع لفضول الكلام، وقليل من ينشر المفيد ويحاسب للحروف.

وفي هذا البلد ميزة أخرى، يذهب الناس لشراء أغصان القات الطرية في حُزُم، فتصير لديهم لحظات التصفُّح وكثير منها بلهاء نشوى مع التخزين.

ويغري الوالعون بالقات أصدقاءهم أنهم يجدون سَكْرَة لذيذة بمضغ هذه الأوراق والأغصان بصحبة النِت.

والنتيجة شباب يسهرون بالليل وينامون بالنهار، وأيضاً ساسة ومثقفين وأصحاب قرار، ثم تلوي على مواطن كادح ليس له صلة بالمنشورات السخيفة والتغريدات خفيفة العقل، فتجده يكافح من أجل لقمة العيش، وقد ضربت سياط الغلاء ظهره ونال الأرَق شوطاً من عمره، بينما لم يزل البائس الفقير في زمن الحرب اللعينة.

ترى العالم في أقطار كثيرة يصنعون من النت أرقاما وإنجازات في الاقتصاد والخدمات، وقطاع عريض من النُّخَب في هذا البلد يحفرون لبعضهم حُفَرا في تويتر ومزالق في حائط الفيسبوك، حتى صارت وسائل التواصل إلى وسائل للتقاطع والتدابر، فإذا بالنفوس شُحِنَت والصراعات اشتدّت، فكانت سبع شداد على البلد وأهله وجاءت الثامنة، وما لقينا من ينقذ الوطن غير هُدَن هشّة يتفضل بها علينا العالم.

إنّ هؤلاء السُّمَّار الذين يشعلون النار في الليالي المظلمة الموبوءة بالشياطين والأشباح، يخرجون ساعة في النهار لاستلام مكافأة العار جزاء دقّ الإسفين، وإذكاء نار الصراع وتحريك الفتنة النائمة.

ليتَ كفّاً مُدّتْ إليكَ بِذُلٍّ

قُطِعَت بالحسامِ قبلَ الوصولِ

كان الرئيس الأمريكي "ابراهام لينكولن" يقول: "أنا لا أقرأ رسائل الشتم التي توجّه لي، ولا أفتح مظروفها فضلاً عن الرد عليها، لأنني لو اشتغلت بها لما قدمت شيئاً لشعبي".

نحن نريد في هذا البلد أن يحشد الساسة جهدهم لوقف الحرب ورصّ الصف بعيداً عن تفاهة النت وشؤم "المتحرّي".

الشعب يريد من مجلس الثمانية إصلاح الوضع وتحسين المعيشة وتوفير الخدمات.

حتى هيئة الأمم سخرت منا وما لقت لنا من حل إلّا هذه الهُدَنْ القصيرة الهشّة.

نحن لم نمنحها أملاً بتوحيد الصف لتدفع بنا نحو سلام دائم، بينما صرنا إلى معارك جانبية، بسبب بيض الخراب الذي يفقسه سُمّار النت في الليالي الطويلة فيتداعى إليه الذباب الشنيع الذي يتربص بجراحات الوطن.

فقط هلمّوا تحت مظلة مجلس الرئاسة واسمعوا وأطيعوا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى