الوحدة

> من هفوات السياسة ما هو مميت حقا، فالإقدام على خطوة كالوحدة اليمنية بتلك الشاكلة التي تمت بها هو عثرة حقيقية بالنظر إلى حسابات الربح والخسارة في السياسة، ومن هنا أتت الانتكاسة سريعا وتحول الحلم الوردي إلى كابوس مخيف واحتلال ثقيل ابتداء من 7/7/1994.

ذلك ما يمكن أن نعزوه إلى اندماجية ليست هي بمزايا غرب و شرق المانيا البالغ طورا من التطور عالي المستوى، الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، رامين وراء ظهورنا نكتة سمجة غير مضحكة من رأس النظام الوحدوي: إننا ألهمنا بل وعلمنا الجنس الألماني الراقي الوحدة بين نصفي ألمانيا الذي شطرته الحرب العظمى الأخيرة.

الوحدة كوحدة فكرة إنسانية وهي إضافة نوعية في سلسلة التطور الإنساني التاريخي، وإسلامنا الحنيف داع إليها بالمقام الأول وحاث عليها دون ريب، لكن أي وحدة ستطرح ثمار الحصرم أن تمت دون استيفاء شروط نهوضها ومعايير قيامها موضوعيا وذاتيا، وفي ظل إرادات سياسية لا تسعى لفعل الوحدة لا صدقا ولا حقا ولكن تضمر موروث الحقد الأسود لتبتلع القادم بحسن نواياه الوطنية كما يفعل مثلث برمودا بالسفن، وأصبح الوضع في العام 1994م أشبه بمذبحة إيل وتر المثبتة في (نقش النصر) كما يسميه أرباب الوحدة بالدم ويرقصون تحت صخرته عرايا من أخلاقهم الحميدة إن وجدت.

كان الغائب عن أرباب تلك الوحدة فهم سيكولوجية الجنوب وأهله ولم يقرؤوا مراحل التاريخ التي كانت فيها الوحدة الحلقة الأضعف في البنيان السياسي للممالك اليمنية، إذ لا يستقيم الأمر بأكثر من اجتياحات دموية مؤقتة لا تدوم طويلا، ولذا كان البديل في أوقات كثيرة نوعا من استقلالية داخلية بما يشبه بالفيدراليات الحاكمة للمخاليف في مناطقها.

أضرت وحدة عام 1990م بما كان قائما قبلها من عرى اخوية بين الشعبين، وخاب أمل المواطنين في إضافة نوعية في حياتهم تأتي نقيضا للوضع القائم في الجنوب والشمال معا.

ما كان الوطن بحاجة إليه حقا، بدلا من الاندماجية المقيتة، بدء وحدة جنوبية - جنوبية تصلح ما أفسده صراع ثلاثة عقود بين الجنوبيين أنفسهم بدلا من أن تجرى مراسيم رفع العلم الوحدوي سريعا في باحة القصر الرئاسي المدور في التواهي ونرى ذلك العناق الذي يشبه الخناق، وتلك الدموع التي لا ندري أهي دموع فرح حقا أم دموع تماسيح أو حتى دموع على تلاشي دولة الجنوب الوطنية.

كان الرئيس علي سالم البيض، المثال النقي في ذلك السباق الماراثوني بين عدن وصنعاء المسمى وحدة.

لعل للرجل أسبابه الضاغطة داخليا، ولكنه كان صادقا في ما يذهب إليه بشجاعة القائد، وعندما شعر بمؤامرة تصفية الجنوب وعدم مصداقية الطرف السياسي الشمالي الحاكم واجه ذلك بشجاعة الرجال.

صحيح كانت النتائج فادحة بالنسبة للجنوب والثمن باهضا ندفعه حتى اليوم لكن انتفاضة الجنوب تبرهن أصالة هذا الشعب الذي لا يقبل الإذلال والاحتلال.

الآن نحن في منزلة بين المنزلتين حاليا، العودة إلى حضن التفكير الزيدي بضم الفرع إلى الأصل من المستحيلات والمحرمات القطعية.

إن القفز على المراحل وإحراقها بالوصول إلى دولة الجنوب الموعودة دون إنضاج اشتراطات قيامها سيكون مضرا لا شك.

الجنوب اليوم بحاجة لحوارات داخلية واسعة لكل القوى الجنوبية دون إقصاء ووضع أجندة واضحة لحوار سيضع آلية حتما لتحقيق حلم بناء الدولة الجنوبية الديمقراطية الموعودة على ارضه كاملة.

وهو ما يضطلع به المجلس الانتقالي برئاسة القائد اللواء عيدروس قاسم الزبيدي بالانفتاح الذي نراه على كل القوى السياسية والاجتماعية والأدبية والأكاديمية ورجال المال والأعمال والشباب والمرأة مستفيدين من عثرات الماضي بعدم تكرارها وبالوصول إلى دولة الجنوب التي طال انتظارها ولن تقوم إلا بالكل الجنوبي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى