​سقطرى كما وجدتها.. أشياء تسر الخاطر وأخرى تثير الحسرة

> صلاح السقلدي :

>
ما تزال تحتفظ بشيءٍ من عبق تأريخ أرضها وسجية أهلها وتلقائية ناسها، برغم ما أصابها من عبث القادم إليها من خلف البحار طيلة ثلاثة عقود من الزمن، عن سقطرى أتحدث هنا، سقطرى دوحة الجمال وواحة الجلال، بسحر طبيعة زمانها وعبقرية مكانها التي كان لي في الأسبوع الماضي شرف زيارتها للتعرف عليها عن قرب وكثب ولنقل الحقائق المثيرة للجدل كما هي إيجاباً وسلباً، دون تزييف أو تضليل، دون تلميع أو تمييع.

وبعيدا عن الإطالة والإسهاب يمكن أن نوجز بعض المشاهدات بالآتي:


- مطار المدينة "مطار حديبو": يبدو واضحا اللمسات الحديثة لإعادة تأهيله بواسطة مؤسسة خليفة الإماراتي بكل الأجهزة والمعدات الحديثة وصالاته المتعددة، تنطلق من المطار إلى عدن عبر مطار الريان رحلة واحد كل أسبوع، كما يسيّر الطيران الإماراتي من ميناء حديبو إلى جزيرتي: عبد الكوري وسمحة (جزيرتان تشكلان مع سقطرى الأم محافظة أرخبيل سقطرى ) رحلات أسبوعية مجانية إلى تلك الجزيرتين ومنها، أكثر الظن أن هذه الرحلات لا يتم التنسيق مع وزارة النقل في عدن والجهات الرسمية بالأرخبيل، مثلما لا يتم التنسيق بشأن الرحلات التي يسيرها الطيران الإماراتي من سقطرى إلى القرن الأفريقي.

- الثروة السمكية:  برغم ما تبذله السلطة المحلية ووزارة الثروة السمكية من جهود إلا أن الثروات السمكية تُنهب بشكل مريع، تحدثت إلى مسؤول محلي بهذا الشأن وأكد بمرارة أن مئات الأطنان يتم أخذها إلى الأمارات بشكل مريب ليس فقط أسماك ذات نوعية عالية بل حتى قشريات ثمينة مثل الشروخ(الاستاكوزا)، فعلى سبيل المثال، والكلام ما يزال لذلك المسؤول تم أخذ 90 طنا إلى الإمارات، مع العِـلم أنه حتى الآن لم يتم افتتاح أي مصنع تعليب أو إعادة تأهيل ما هو موجود، برغم الوعود والجهود التي يبذلها وزير الزراعة والثروة السمكية (سالم عبدالله) والذي هو بالمناسبة من أبناء الأرخبيل، بل ويتم تدمير هذه الثروات بشكل مهول، سواءً بالصيد الجائر أو بعدم مراعاة مواسم التكاثر الممنوع فيها الصيد والمحميات البحرية والشعاب المرجانية وسائر الأحياء البحرية، أما الوضع الزراعي فلا يختلف عن القطاع السمكي، فسقطرى المحافظة الزراعية تستورد كل الخضروات والفواكه من خارجها.

- الوجود الإسرائيلي بالأرخبيل، كنتُ متأكدا من زيف الحديث عن هذا الوجود المزعوم، ولكن لم يكن لدي الحُجة القوية  والدليل المفند قبل ذهابي إلى هناك لإثبات ذلك أمام إعلام مخادع يستغل البُعد الجغرافي لسقطرى وشحة المعلومات أو تلقيها من طرف واحد لإطلاق مثل هكذا إشاعات خطيرة، فأي وجود عسكري أو حتى مدني إسرائيلي بهذا الأرخبيل مرفوض جُملة وتفصيلا من أبناء سقطرى قبل غيرهم، وحتى الوجود العسكري الإماراتي لم يعد له أي أثر هناك فما هو موجود هو الحضور المدني، الذي سنأتي على ذكره لاحقا، فما هو موجود هو قوات سعودية أو ما تسمى بـ (قوات الواجب 808)، وهي أيضا في تقلص كبير، 300 عنصر تقريبا بعد أن كان قد تجاوز الـ 1000 عنصر.

- المؤسسات الأمنية والعسكرية: منذ شهور أصبح معظم ضباطها وأفرادها من أبناء الأرخبيل، مع وجود البعض من المحافظات الأخرى، وثمة استقرار أمني واضح، برغم ما يعانيه الضباط والأفراد من ظروف صعبة بتأخير مرتباتهم الهزيلة واحتياجاتهم التموينية، كما يستهدف الإعلام بعضهم استهدافا سياسيا. 

- الكهرباء:  التيار الكهربائي  في العاصمة حديبو على مدار الساعة، وفي ثاني أكبر مدينة قلنسية قرابة عشر ساعات باليوم، والذي يوفر الخدمة هو الجانب الإماراتي فقط، ولكن بأسعار عالية جدا، ودفع الفواتير الاستهلاك بالدرهم الإماراتي، لا نعلم لماذا أسعار الاستهلاك بهذا الغلاء ولماذا بالدرهم الاماراتي؟ ، بل والسؤال الأكثر دهشة هو لماذا يتم توفير هذه الخدمة بإدارة إماراتية لا يتم توفيرها بواسطة إدارة وكوادر مؤسسة الكهرباء المحلية؟، كل طاقم الإدارة الحالية هم جميعا إماراتيين ومصريين وعراقيين، ليس فقط فيما يتعلق بالجانب الفني بل الإدارة والأمور العادية التي بوسع أي عامل سقطري أن يجيدها، فضلا عن أن مرتبات العامل
المصري والعراقي الواحد يتقاضى أضعافا مضاعفة ما كان سيتقاضاه عشرات العمال السقطريين في حال أتيحت لهم الفرصة، فلماذا يتم وضعهم في رصيف الإهمال؟

- ميناء حديبو ليس بالصورة الوردية التي تخيلتها، فهو حتى الآن برغم مما يبذل ما يزال هزيلا ودون المستوى، أثارني بالصدمة، خصوصا وأنا أشاهد إدارة الميناء عبارة عن صنادق "كنترنات"، والرصيف لا يزال صغيرا جدا قياسا بما يجب أن يكون لمحافظة بحرية مهمة كسقطرى.


- الوقود:  شركة النفط متوقفة تماما وخزانات رجل الأعمال أحمد العيسي متهالكة مهملة منذ فترة، من يوفر البنزين والديزل والغاز هو الجانب الإماراتي وبأسعار مرتفعة(20لتر بترول 26000 ريال يمني أو ما يعاديه بالدرهم) برغم أن هذه المواد تدخل بدون جمارك بالميناء ولا ضرائب في السوق، لماذا؟ ..الله أعلم.

 
- المشاريع الخدمية: تنفذ الإمارات ومعها السعودية والكويت على التوالي معظم المجالات الخدمية من بناء مدارس ومحطات تحلية مياه كما تم في مدينة قلنسية وجزيرة عبد الكوري من قِـبل مؤسسة خليفة، ومشافي ووحدات صحية(المستشفى الرئيس بالعاصمة حديبو تم إعادة بنائه من قبل مؤسسة خليفة والعلاج فيه يكاد يكون مجاناً).

- الاتصالات والإنترنت:  الشركة المحلية "يمن موبايل" فقط هي من يقدم خدمة الاتصالات وبدون خدمة الانترنت، فيما تشاركها بقوة في الاتصالات شركات إماراتية وسعودية مع خدمات النت و أرقام إماراتية وسعودية، بشكل مثير للاستغراب أيضا، ولكن لماذا الاستغراب بعد ان تخلت الجهات المحلية عن مسؤولياتها الوطنية والاخلاقية وتركت للغير فرصة التكسب وسد فراغ توفير هذه الخدمات وبأسعار خيالية و بعملات اجنبية؟ مع العِلم ونحن نتحدث عن الاتصالات والتواصل فسقطرى لا تمتلك حتى الآن إذاعة FM محلية، فضلا عن عدم امتلاكها قناة فضائية، برغم الجهود الكبيرة التي يبذلها المحافظ، الجهود التي تصطدم  بشحة الإمكانية وحرص كثير من القوى التي لا تريد لهذه الجزيرة الخير على إبقائها معزولة عن العالم.

- التربية: هذا المجال تم استهدافه بشكل ممنهج طيلة العقود الماضية، ربما أكثر من اي مجال آخر، وحتى اللحظة ما تزال الجهات التعليمية والتربوية المعنية تتجاهل الأمر، فلولا الدعم المالي الإماراتي الذي يصل لـ 600 مدرس لتوقفت العملية التعليمية بشكل كامل.  


-حالة المؤسسات الحكومية:

 إلى قبل عام - تقريبا - كانت شبه منعدمة وإن وجدت لكانت هزيلة وافتراضية بعد أن عبثت فيها السياسة والحزبية عبثا مدمرا، يتم اليوم إعادة بث الروح بها من جديد من قبل السلطة المحلية، ولكن تظل المهمة مستحيلة إن لم تتلقى السلطات هناك دعما ماليا وماديا ومعنويا حقيقيا من مجلس الرئاسة والمجلس الانتقالي لانتشال المحافظ من وضعها الحالي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى