خلف أنين الحرب... شابات يمنيات يساهمن بمشاريع نحو بيئة مستدامة

> فاطمة العنسي

> بالتزامن مع التوجه العالمي الذي بدأ جلياً خلال الآونة الأخيرة، نحو مواجهة المخاطر المتعلقة بالبيئة والمناخ، تسعى شابات يمنيات إلى ابتكار وتنفيذ مشاريع مستدامة، كمساهمات جلية من شأنها إيجاد بيئة آمنة.

غاز من النفايات المنزلية

يُعدّ تراكم النفايات ومخلفات الطعام من أكثر المشكلات البيئية التي تواجه العالم، ناهيك عن اليمن، حيث لا تُعدّ مشكلة العصر البيئية أولويةً لدى السلطات الحاكمة، وتعاني المدن اليمنية، لا سيما عقب اندلاع الحرب، من تراكم كبير للنفايات في شوارعها، متسببةً في انتشار الأوبئة والأمراض، ويقدَّر إنتاج النفايات يومياً في اليمن بقرابة نصف كيلوغرام للفرد الواحد، كما يبلغ معدل جمع النفايات 65 % في المدن الكبرى، و5 % في المناطق الريفية.

من خلف منظر أكوام النفايات، ظهرت جهود فردية على أيدي الشباب، من أجل التخفيف عن معاناتهم اليومية، سواء من منظر هذه الأكوام، أو أضرارها، أو من مشكلة إضافية هي إمكانية تأمين الغاز المنزلي اللازم للاحتياجات اليومية.

من هنا، ابتكرت ندى المشدلي، ابنة عدن جنوب البلاد، مشروعها، وهو جهاز إلكتروني ينتج الغاز الحيوي والسماد العضوي من مخلفات النفايات والطعام، وذلك بعد عملها وتطوعها لسنوات في مشاريع بيئية شتى، ومشاركتها في مسابقتين دوليتين حول التغير المناخي.

تتمحور فكرة الجهاز في ابتكار محطة مصغرة لإنتاج الغاز الحيوي والسماد العضوي، ضمن حوض تتركز فيه مخلفات الطعام وتُخلط مع نسبة معينة من الماء، فينتقل بعدها الخليط إلى الهاضم، ليتحلل ويتخمر لإنتاج الغاز الحيوي، ومن ثم تتم تعبئته عن طريق الحنفية، وبعد إنتاج الغاز، تتحول بقايا الطعام إلى سماد عضوي للزراعة.

ولمراقبة سير عملية إنتاج الغاز، ابتكرت ندى جهازاً يتكون من حسَّاس لقياس الحرارة كونها أحد العوامل التي تساعد في تسريع الإنتاج، وحساس ضغط لقياس كمية الغاز المتولدة، وتتم مراقبة كل هذا عن طريق الهاتف المحمول.

تقول ندى، وهي خريجة هندسة تقنية معلومات من جامعة عدن: "أتت فكرتي من معاناة اليمن المتمثلة في أزمة المشتقات النفطية منذ نشوب الصراع، ويتخللها انعدام الغاز المنزلي وتوفره بسعر مبالغ فيه لا يستطيع المواطن متوسط الدخل الحصول عليه، بالرغم من كونه من أساسيات الحياة، بالتوازي مع هذه المشكلة، لدينا مشكلة تراكم النفايات وبقايا الطعام، والتخلص منهما بطرق بدائية مثل الحرق أو التحليل، ما ينتج انبعاثات لغازي الميثان وثاني أكسيد الكربون، وهما من أخطر الغازات الدفيئة على كوكب الأرض".

وفي ما يتعلق بكمية النفايات التي يتم التخلص منها، وكمية ناتج الغاز والسماد العضوي، تقول ندى: "عملنا تجربةً ضمن ثلاثة مطاعم، كان حجم المخلفات فيها يومياً 120 كيلوغراماً، نتج منها 40،000 ليتر غاز كل أربعة أيام، أي كانت الكمية شهرياً 280 ألف ليتر من الغاز المنزلي في المحطة"، وتضيف أنها ما زالت في إطار وضع دراسة جدوى تضم عدداً كبيراً من المطاعم، لتطوير المشروع وتوسيعه، وإعداد خطة كاملة لتطبيقها في محطة كبرى في عدن، مشيرةً إلى صعوبات تعاني منها وتتمثل في عدم وجود جهات داعمة، وانخفاض الإمكانات، وقلة المصادر المختصة بالطاقة البديلة والتدوير، من أجل الرجوع إليهم في طلب المشورة.

وتختم الشابة مؤكدةً فائدة مشروعها، المتمثلة في "توفير غاز حيوي وسماد عضوي بسعر زهيد، ما سيساعد المواطن بشكل خاص لامتلاك الغاز بسهولة واستخدامه في الطبخ أو كطاقة بديلة أو كوقود للمعدات الزراعية، وتالياً تشجيع المجتمع على الإنتاج الزراعي وزيادة الرقعة الخضراء، وكل هذا يساعد على دعم اقتصاد البلد ويوفر فرص عمل، ويرفع الوعي بمخاطر الاحتباس الحراري والتغير المناخي وأهمية الطاقة البديلة".

تحويل البلاستيك إلى طوب

بطريقة مغايرة، كرّست الشابة اليمنية أمينة بن طالب، وقتها وجهدها من أجل ابتكار فكرة "الطوب البلاستيكي"، وراودتها الفكرة من خلال البحث والاطلاع المستمر على التجارب العالمية المتعلقة بالمحافظة على البيئة، لا سيما في ما يتعلق بالبلاستيك صعب التحلل، مع كون اليمن من الدول التي تعاني من مخلفات البلاستيك بكثرة، إذ يستهلك على سبيل المثال أكثر من 43 مليار كيس بلاستيك سنوياً، لكن أمينة ترى أن النفايات، خاصةً قوارير البلاستيك، ثروة يجب استغلالها.

تقول : "يكمن جوهر الفكرة في التخلص من عنصرين غير صديقين للبيئة، هما البلاستيك والإسمنت، بطرق فعالة وآمنة".

يتكون الطوب البلاستيكي من كميات من الإسمنت، تُخلط مع مخلفات البلاستيك من نوع "بولي إيثلين"، عالي الكثافة، المستخدم في صنع القوارير، بعد فرزها وغسلها وتكسيرها، فينتج عن ذلك قالب جديد يستفاد منه في مجال البناء. وتستمر الشابة في تطوير المنتج وإجراء دراسات عليه للوصول إلى أفضل صيغة ممكنة، وسط تحديات تتمثل في صعوبة تطبيق جميع الاختبارات اللازمة في اليمن، وصعوبة الوصول إلى البيانات والمعلومات، بالإضافة إلى نقص التمويل.

وتنوّه أمينة بأن الشباب في اليمن يعون تماماً الخطر البيئي المحدق بهم والذي يلمسون تغيراته خلال فصول السنة، بيد أن قلة الاهتمام والتوعية بخطورة الأمر تُعد مشكلةً تواجه المجتمع عموماً، بالإضافة إلى أن الصراعات القائمة في اليمن تُعدّ أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم المشكلات البيئية والتلوث، وتحول دون اهتمام اليمنيين بالبيئة والتغيرات المناخية.

حلول للتلوث

بدورها
إيثار فارع
إيثار فارع
، ترى ابنة عدن إيثار فارع (24 عاماً)، أن العالم بحاجة إلى مشاريع من شأنها المساعدة على التخلص من النفايات بطرق آمنة، لا سيما وأنها أصبحت مشكلةً تؤرق الجميع، فلا بد من المساهمة في خفض تراكم النفايات في المدن وتقليل تلوث الهواء الناتج عن إحراقها.

يقوم مشروع إيثار على التنسيق مع مؤسسات صناديق النظافة في اليمن، ومن ثم جمع وفرز النفايات بغرض تحويلها إلى سماد عضوي للأراضي الزراعية، باستخدام التحلل الحراري للنفايات ونوع من ديدان الأرض التي تقوم بعملية التحلل.

تقول: "عملت على إيجاد حلول للغازات السامة المنبعثة من احتراق النفايات والسموم التي تتسرب منها إلى المياه الجوفية، وكلا المشكلتين تتسببان في كوارث جسيمة". والجدير ذكره أن اليمن يعاني من مستويات مرتفعة جداً من تلوث الهواء.

أكدت فارع أن تنفيذ هذا النوع من المشاريع في اليمن صعب، من ناحية جمع المعلومات، والتمويل، والتعاون مع المؤسسات الحكومية، وتضيف: "في كل خطوة نجد صعوبات كثيرة ولكن نحاول تجاوزها، شباب اليوم يتمتعون بوعي كبير، خاصةً الفتيات، نحن أبناء هذا الجيل أدركنا الضرر، وتسلّمنا الكوكب والبيئة وهما مدمّران، ونحاول تحسين الوضع الذي نتج عن الأجيال السابقة، وهذه مسؤولية كبيرة وحمل ثقيل علينا".

حاجة إلى الدعم والتطوير

وعن هذه المشاريع البيئية، يتحدث رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة الدكتور عبد القادر الخراز، منوّهاً بأهميتها. "إذا أردنا الحديث عن الطوب البلاستيكي، فإن البلاستيك هو مادة مصنعة بشكل أساسي من البترول، وجزيئاته تتسم بالترابط، لذا فنحن بحاجة إلى سنين طويلة لتفككه وتحلله. وفي اليمن، نعاني من مشكلة قوارير البلاستيك التي تُستخدم لمرة واحدة فقط، وهنا تأتي أهمية هذا المشروع المنفّذ بأيدٍ يمنية".

كذلك الأمر بالنسبة إلى مشروع إنتاج الغاز والسماد كما يقول، إذ يعاني اليمن في السنوات الأخيرة من أزمة خانقة للغاز الطبيعي، لذا لجأ البعض الى الاحتطاب الجائر، وحرق المخلفات لإنتاج طاقة، ما يؤدي إلى تلوث الهواء وانبعاث الغازات السامة. كما أن السماد العضوي له نتائج إيجابية على التربية والمحاصيل الزراعية.

ويتابع: "من المهم تشجيع مثل هذه الابتكارات التي من شأنها تخفيف معاناة الناس، وتجب التوعية بأهمية فرز النفايات الذي يبدأ من المنزل، من أجل الاستفادة من النفايات التي تُعدّ ثروةً لا يجب إهمالها".

ضمن السياق نفسه، يؤكد جمال باوزير، الخبير في الشأن البيئي في اليمن، على أهمية المشاريع المقدمة من الشابات، إذ يساهم تطبيقها على الأرض في التخفيف من التلوث، والاستفادة من النفايات بأشكالها المختلفة، وسد احتياجات الناس من الغاز الطبيعي، كما أن تحويل المخلفات البلاستيكية إلى مواد بناء رخيصة الثمن تتميز بالمتانة وسهولة التصنيع، يساعد في توفير سكن رخيص، إلى جانب إنتاج الأسمدة العضوية ذات المنافع الجمة للتربة الزراعية.

ويلفت الخبير إلى أن المشاريع الثلاثة ليست سبّاقةً عالمياً، لكنها حلول ملموسة لمساعدة البلاد لتجاوز مشكلات بيئية، وهي أفكار تحتاج إلى دعم مؤسسي ومالي لتمويل الدراسات وتطويرها وتنفيذها على الأرض. ويختم بالقول: "نطالب من هيئة حماية البيئة في اليمن، تفعيل دورها في دعم هذه المشاريع، خاصةً أن لديها وحدةً خاصةً بالتغيرات المناخية ولديها التمويل اللازم لدعم جهود هؤلاء الشابات".

"رصيف22 "

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى