الجنوب والحُجرية

> لم تكن عدن ماركسية كما زعم بعض ساسة الشمال، فكلهم نزلوا المدينة، وولعوا بالسفر إليها، حتى عبد الفتاح إسماعيل لم يكن بالضرورة السياسة مَنْ دفعته ليترك الجبل ويغادر إلى عدن، بل كان (الجبالية) غالباً ما يشقّون طريقهم نحو المدينة إما بحثاً عن مدارس ليتعلموا فيها وإما للبحث عن أعمال يتكسبون من ورائها، وكانت بلاد الحُجرية هي المنطقة القريبة لمدينة عدن.

سألتُ عاملاً في مشرب "الزحف العربي" للثريب تحت مسجد النور بمدينة الشيخ عثمان عن صاحب المشرب، قال، "المشرب أسسه واحد خامري منذ ستينيات القرن الماضي من تعز، ثم ذهبتُ إلى "مقهى الشجرة" الشهير في نفس المدينة قلت للمحاسب ماذا تعرف عن صاحب المقهى؟، أشار إليّ بصورة معلقة على الجدار من الداخل وإذا به واحد عزعزي بحسب النبذة القصيرة تحت الصورة.

قلتُ في نفسي بقي معي "أستوديو الشعب" التاريخي، دلفتُ باب المكان، سألتُ موظفا شابا هناك لِمَن الأستوديو؟ فقال لواحد عبسي.

حينها تذكرتُ أغنية أيوب طارش (عدن عدن فيها الهوى ملوّن).

زميل علّق قال (باقي يندوا لنا مشاقر نبيع في حافة حسين)، لننظر بعين فاحصة وليس متطرفة ألَمْ تكن كل هذه المحلات وغيرها كثير موجودة منذ الستينيات وربما قبل ذلك واستمرت لعقود حتى اللحظة، بينما كان الجنوب دولة قوية ومزدهرة، وانخرط التعزيّون بقوة في الجمهورية الوليدة، عبد الفتاح إسماعيل بحزبه الاشتراكي، ومحمد سعيد الشرجبي بجهازه الأمني، ولفيف من ضباط المخابرات "الجبالية"، حتى قال بعضهم إن قصيدة عبد الله عبد الوهاب نعمان -من تربة ذبحان- "رددي أيتها الدُّنيا نشيدي" أثّرت في الثقافة الجنوبية أكثر من قصائد لطفي أمان ومحمد سعيد جرادة، واختيرت نشيداً وطنيًا لجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية بلحن وأداء أيوب طارش عبسي المنحدر من قرية المحرابي في بلاد الأعبوس.

هل كانت الحُجرية تحكم الجنوب يا قوم؟ أم أن تعز كانت جنوبية الهوى؟

في برنامج ذكريات سمعتُ من المذيعة التعزيّة أنيسة محمد سعيد أنها قدّمت أول برنامج في إذاعة تعز عن (الجنوب).

خلال الفترة من 86 - 90، عاد الحديث مجدداً للعودة إلى الشمال، وتسارعت الخطوات من أجل توحيد الشطرين.

هل كان مثلاً علي عبد الله صالح قبل هذا التاريخ يتكئ على القيادة الشمالية الحاضرة في مفاصل السلطة بالجنوب؟

هل كانت هناك قناة تواصل بين آل الجوفي وآل عفاش؟

كيف اندفع علي سالم البيض نحو صنعاء؟ هل تأثر بسلوك الحاكم الشمالي المتنفذ في سلطة القرار في الجنوب؟

إنّ المجلس الانتقالي الجنوبي حين جاء اندهش البعض أنه يفك ارتباطه بالحزب الاشتراكي اليمني.

جلس بعض المثقفين والسياسيين يفكرون كيف أن قيادات في المجلس كانت اشتراكية ثم قطعت علاقتها بثقافة الحزب التقدمي الذي كان يحكم الجنوب، ولم يفهم البعض حتى اللحظة أن الانتقالي أراد لنفسه أن يكون مكوِّنا سياسيا متجرداً من أولئك الذين تأثروا بثقافة الحاكم الشمالي سواء كان من اليمن الأسفل أو من الهضبة، لكن هل يضمن "الجنوب" خلوه من ثقافة اللجنة الدائمة ومكتبها السياسي (اللجنة العامة)، ومن برامج ومشاريع التجمع اليمني للإصلاح، أم أن قَدَر الجنوب إذا أراد الانفصال عليه بالشمال وإذا أراد الوحدة عليه بالشمال؟

عن ذكرى العلاقة بين الجنوب والحُجرية يقول التاريخ (ماذا فعل أعضاء الجبهة الوطنية عندما أعلن الرئيس البيض فك الارتباط في 21 مايو 94)؟

هل فعلوا شيئاً حين اجتاح نظام صنعاء محافظات الجنوب؟

ألم يقل البيض بعظمة لسانه لم نسمع منهم ولا "تعشيرة".

بصراحة أمام المجلس الانتقالي عقبات تحتاج من أجل تجاوزها تحالفات جديدة.

اصنعوا من الحراك الجنوبي الضخم كتلة سياسية جديدة بقيادة موحدة إنْ أردتم النصر وقيام الدولة، وأعيدوا صياغة علاقة أهل الحُجرية بالجنوب بما يخدم مشروعكم الوطني الكبير.

إنّ من متاعب الحياة أيُّها السادة أن تكونوا في الصدارة، قال ابن الوردي:

نصَبُ المنصبِ أوهى جَلَدي

يا عنائي منْ مداراةِ السفَلْ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى