أغدا ألقات؟

> لحظات نسرقها من العمر فلاندري كيف أختزلت من حياتنا بغتة ودون ثمن ، فما بالكم بهدر ساعات تمتص من الوعي ومن الذاكرة حلاوة الأيام التي نقضيها ونحن نمضغه بغير وعي كما تستجر البهيمة للعلف غير عابئين بالوقت والجهد والمال وذهاب العقل إلى ما يغيبنا عن عالم الحياة السوية وعمل ما يفيد وينفع .

أوراق خضراء سامة قتلت فينا البراءة وعلّمتنا حب الاتكال عليه وعلى الشيطان وأن نقدم جهدًا في أداء عمل ولإتقان مهنة والتفاعل لحل مشاكلنا التي تتفاقم يوما بعد يوم وتوارثناها جيلا بعد جيل.

وهمًا درجنا عليه فتجاوز حدود المعقول إلى خفايا وأسرار المجهول بضياع الأهل والولد والنفس وأشياء ثمينة في الحياة أهمها حاسة الإدراك وبأننا ما خلقنا إلا لنهدر طاقة ونضيع جهدا كان لابد أن نستغله في خير وإعمار الذات وإصلاح ما أفسده الدهر في نفوسنا وعقولنا وضمائرنا وعطل لدينا حاسة التفريق بين ما يضر وما ينفع.

شجرة ما خلقت إلا لتنبت على حساب غيرها فحق لنا أن نسميها بالخبيثة، فللسان من خلال نشوتها انطلاقة غيبة ونميمة وعبث شيطاني في وقت يكثر فيه اللغو وتتزاحم فيه الأفكار الجهنمية والأحلام الطائرة فلا يدرك العقل تنفيذها على كثرتها مبالغة في الحديث الغير مشروع لتنتهي بزوال سكرة اللحظة وانتشاء المريض.

نبتة جيء بها من زمن بعيد حيث وجدوها في مراعي الحبشة بعد أن جربوها على بهيمة فنجح مسعاهم "و جابوا العيد" ويقال أن أهل اليمن على كثرة أسفارهم بحثا عن الرزق في مناكبها نقلوها معهم مغنما واكتشاف استثماري لا يعوض بعد عناء ليستقر بها المقام والحال بين جبال المتعوسة ووديانها حتى أصبحنا عالة عليها نقتات منها وتقتات عليها معظم الأسر اليمنية يوم استبدلنا طيبات الأرض الغنية من الثمر والرزق والخير الوفير بالمرض الخبيث فأنزل الله علينا سخطه واستحقينا اللعنة إلى يومنا هذا بتاريخه وليلته وساعته بتوقيت اليمن التعيس من زمن مبطئ.

سيطرت تلك العشبة على عقولنا فما عدنا نهتم إلا بنشوة سويعات فتجد اليمني يغذي رأسه أكثر مما يغذي بقية جسده وينفق على الجمجمة بين قات وتعميرة دخان وشمة "مضغة " أكثر مما ينفقه على معدته إلا فيما ندر ورحم ربي .

لاحقتنا اللعنة إلى شتى أصقاع الأرض وتغنينا بها مفخرة لنا بين الأمم حين صدرنا هذا المفهوم "اطلب القات ولو في الصين" ناهيك عن أنهم يتاجرون به في لندن وضواحيها بصورة رسمية ومرخصة حتى وصل أمريكا وكندا وأستراليا وآخرها أن سمعت أنهم يتعاطونه في عقر دار سويسرا الآمنة فيا للعجب !!!! .

قات تدار له المجالس الخاصة والعامة ويجتمع الأهل والأصحاب في الفرح والعزاء وفي الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية وفي كل يوم يمر عليهم من العمر ليشتموا ولو رائحة ذلك العشب الأخضر المسموم بالسرطان ، كما أنهم لا يفوتونه إلا للشديد القوي فينفقون عليه من الرزق الحلال الكثير علاوة على ما يجنيه البعض من الحرام الذي يتقاضونه بالرشوة ونهب المال العام وكأن القات ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها لتمضية الوقت وتمرير المصالح على حساب الضمير والواجب واللهو بين الصلوات.

‎فهل للقات حاجة لغير ما ذُكر؟!

‎ افتونا يا عباد الله.

‎ينفق اليمني ما يعادل عشرين دولار يوميًا على جلسة قات شخصية وقد يراوح بزيادة هذا المبلغ بكثير عند الميسورين دخلًا وحرامية البلد وهواميره وقططه السمان، في حين أن معدل دخل الفرد المتوسط فينا لا يتجاوز الدولارين يوميا كدَّا ونقدا من عرق الجبين.

‎يحتار المرء غير مصدق من أين يصرف اليمني كل هذا على الكيف والمزاج والخرمة في حين أن دخله اليومي لا يصل بأي حال من الأحوال إلى أقل من صفر ما ينفقه على مزاجه وهوس تلك الجمجمة المجنونة.

حيرة حيرت العالم قبل الجاهل لتترك سؤالًا غبيًا يصعب حلحلته ولو استعنت بكل سكان الصين وحذفت نصف سكان الهند.

‎ثم أين نحن من العقل والحكمة لنعالج أنفسنا من داء نبتة سرطانية كلها ضرر ووباء يقطف كل يوم من زهرة أعمارنا وينزع عنَّا فرحة كل بيت بقريب وعزيز وبمرض يصعب شفائه ولا يرحم، بل أنه لا يداويه سوى انتظار الأجل والموت في أي ساعة.

‎فهل نتعظ يا بلد الإيمان والحكمة ؟؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى