مِحنة الوسيط

> كان يُقال عن الشخص الذي يقرِّب بين طرفين للتوفيق بينهما بأنه وسيط.
ونحن أطفال كنا نسمع من الكبار أن شخصا جاء يتوسط من أجل موضوع زواج، أو لفضّ نزاع بين أشخاص أو قبائل، وبرزت  أسماء لامعة لوسطاء تميْزوا بحُسن الأداء في "الإقناع" وتفوق في الديبلوماسية.

نقتبس من التراث نقطة ضوء من حِكمة النبي صلى الله عليه وسلم وحُسن تدبيره في حل النزاعات، فعندما اختصمت قبائل قريش في وضع الحجر الأسود، وسّطهُ القوم لعمل حل للأزمة، فخلُص بفطنته وحكمته لحل بسيط وعفوي، فرش رداءه ووضع الحجر في وسطه وأمر كل شيخ قبيلة أن يمسك بطرف الرداء ليكون للجميع شرف حمل حجر الكعبة ووضعه في مكانه.

أما اليوم في ظل مشكلات العصر بين أهل النزاع والصراع، فقد وُجِدَ ثلاثة أنواع من الوسطاء: الأول محلي، والثاني إقليمي، والثالث أُممي، وقد فشل الثلاثة جميعا.
فشلوا في ليبيا وسوريا ولبنان واليمن، ويتعثرون الآن في السودان، ولا نتمنى لهم أن يفشلوا.

كان المتخاصمون في الزمن الماضي يثقون في الوسيط، لأنه يحمل نيّة صادقة ومخلصة، ولا يحمل أجندات مشبوهة وتصرفات مريبة.
الآن يسمّون الوسيط بالمبعوث عندما يكون من خارج البلد، لأن الأُمم المتحدة تختاره وتبعثه إلى مناطق النزاع حول العالم.

كان الوسيط أيام زمان من بسطاء الناس يعمل بلا أُجرة، وليس لديه شهادة جامعية ولا حقيبة ديبلوماسية، ولا طائرة وثيرة يركبها ولا سيارة فارهة يستقلّها، ولا مكتب ولا مستشارين، وكان يستعين بالله وينتهي لأفضل الحلول التي تُرضي الجميع، شعاره قول الحسين بن مطير الأسدي:
إذا يسّر الله الأمورَ تيسّرتْ
ولانت قواها واستقاد عسيرُها

سوف نذكر مثالا لمِحنة وسطاء معاصرين، هذا "شي" رئيس الصين الذي توسّط بين السعودية وإيران، ونجح الى درجة معقولة في إعلان "اتفاق بكين"، لكن المبعوث الأمريكي إلى اليمن ليندر كينج شكّك في نيّة طهران بخصوص الاتفاق، حيث اتهمها باستمرار تصدير الأسلحة والمخدرات إلى اليمن.

وبرز الوسيط أردوجان رئيس تركيا الذي يحاول التوسُّط في النزاع بين روسيا وأوكرانيا، لكن مرشح المعارضة للرئاسة في تركيا كمال أوغلو، اتّهم روسيا بالتزييف العميق على مواقع التواصل لتشويه صورته أمام الناخبين لصالح أردوجان صديق بوتين.
فبدا أن للوساطة في الزمن الحاضر تداعيات وعواقب تقنية، نظرا لفقدان الثقة بين الحكومات والأطراف المتنازعة، وأنه تعتريها  شكوك وألوان من المجاملات.

نحن في الجنوب تجاوزنا محنة "الوساطة"، فقد التقت المكونات السياسية والاجتماعية على الطاولة في 4مايو الأغر، وتشاورت بلا وسيط إقليمي ولا مبعوث أُممي ووقّعت على الميثاق الوطني الناجز في عدن مدينة السلام.
فقد صار رجل الديبلوماسية أو مايُقال عنه المبعوث الأُممي في هذا الزمن، هو ذاك الوسيط الفاشل، والمبعوث المراوغ، الذي يطيل أمد النزاع من أجل أجندات دول تسعى لتخريب وتمزيق الأوطان، ولو أُريقت دماء وأُزهِقَت أرواح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى