الجبل والحُب

> ليس بالضرورة بحال أخذ القلم والكتابة على الورق أو بالأصبع على صفحة الجوال، الخوض في السياسة، بل هناك موضوعات جميلة متعلقة بأشياء من حولنا وجِدَت في الطبيعة لتسعدنا كان يلزم الكتابة عنها أيضا لنستمتع.
صاحب السطور يحب الجبل كمثل غيره من الناس.

هذه المرّة خلال زيارة إلى القرية صعدتُ ومعي أحد أبناء المنطقة إلى رأس"الجُبَة"، مكان ضمن سلسلة جبل"الركيزة" الشهير بوادي شعب.

وعندما وقفنا على القمة رأينا طير الحَجَل يرعى في الجهة المقابلة، وهو الذي يسميه الأهالي طير "العُقَب"، كما لفت انتباهنا  شيئا عجيبا في الأسفل، شاهدنا أن معظم الدور القديمة بُنيَت على مرتفعات، إما جبال صغيرة أو هضاب، وأحيانا في صدور شِعاب بين أحضان الجبل.
بينما رأينا البيوت الحديثة قد بُنيَت في الأماكن السهلة المنخفضة، فا كتشفنا أن الأجداد الذين بنوا بيوتهم ودورهم في الأماكن المرتفعة، كانوا أصحاب هِمَم عالية، ولديهم من القوة والصمود لمواجهة صعوبات الحياة، وهم إذْ يحبّون الارتفاع إنما لإحساس في نفوسهم جميل،
حين يطلّون على صور ومناظر الطبيعة الخلّابة في الأسفل.

كما شاهدنا أن هذه الدور القديمة بُنيت مجتمعة ومتقاربة وليست متفرقة، ما يدل على عمق العلاقات الاجتماعية بين الناس في ذلك الزمن، والرغبة في التواصل، والتأليف بين الأرواح، حتى أن بعض الدور القديمة كان يسكنها أكثر من أُسرة واحدة، ويجدون فيها من أسباب الراحة وحلول البركة، مالا يوصف من الشعور.

 في مفارقة توحي بأن كل قديم كان مفعما بالحُب وسعة الصدر والرغبة في الوصال، بينما سادت القطيعة بين الناس والتباغض في الزمن المتأخر.

عندما رجعتُ من القرية إلى عدن وقصة الجبل تجول بخاطري وقعت بين يدي مقالة لكاتب اسمه نبيل دبابش من الجزائر في صحيفة العرب اللندنية كتب تحت عنوان"ما علاقة الجغرافيا والصخور بإنتاج القيم" قال..( إن العامل المشترك بين الديانات التوحيدية الثلاث يتلخص في مكان نزول الوحي وبداية التكليف، إذْ كان دائما على القمم والمرتفعات ففي غار حراء بجبل النور كان بالنسبة إلى الإسلام، وعلى جبل الطور كان بالنسبة إلى اليهودية، وعلى هضبة بالجليل الأسفل كان بالنسبة إلى المسيحية).

ثم قال.."فالمعاني العظيمة لا تنتجها الغوغاء ولا تنبت في الأسفل).
ثم ذكر الكاتب هذا النص..( لقد اختارت كثير من الشعوب من آشوريين وفُرس وهنود وإغريق وقرطاجيين ورومان وبيزنطيين المناطق الصخرية الجبلية لتشييد حضارات).
واستطرد.."في العصور القديمة والوسطى كانت الشعوب الأولى تختار المواقع الجبلية حصونا ومساكن لها لأسباب أمنية، ولكن أيضا لأنها مناطق توفر لها إمكانية إنجاز البناء الصلب الذي يقاوم متغيرات المناخ ويبعدها عن أطماع الأعداء والصعاليك".

إن حُب الجبل غريزة في نفوس الخلق..وهذا المحب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول في جبل أُحد بمكة المكرمة.."أُحدٌ جبلٌ يُحبّنا ونحبّه"..
ولله در الشاعر أبي القاسم الشابي حين أنشد:
ومن يتهيّب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحُفَـــر

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى