طواحين عدن

> شَهِدَ الشعب أن الحكومة تطحن هواءً، ماضرّهُ رئيسها لو استقال إنْ كان حقًا جاء من ساحة الثورة. سوف يسجِّل موقفًا، ويصفِّق له ميدان الحريّة.

كانت الناس حين تسمع كلمة "الحكومة" تحسُّ بهيبة، ويغشاها فَرَح، وتأمن على حياتها، ويطيب عيشها.

يصف المواطن في القرية الجنوبية سيارة الشرطة التي كانت تتعهد الوضع الأمني في الأرياف بأنها "سيارة الحكومة" التي يخاف منها المخالفون للقانون.

كان "البنك" في عدن مقدّسًا مثل إشارات المرور، وأسواق المدينة محاطة بقدرٍ عالٍ من النظام، والمدرسة تضيء بالمعرفة والانضباط، والمستشفى تشعُّ بالصحة والالتزام الوظيفي.

وكان لدينا مشروع "طواحين الهواء" لضخ ماء البحر لصناعة ملح الطعام في أرض سبخة اسمها "المملاح"، وهو مؤسسة اقتصادية ضخمة تدر أموالًا لخزينة الدولة.

لدينا الآن طواحين حكومة الشرعية، تطحن المواطن والهواء الموبوء بدخان الديزل المغشوش.

يطحنون في الراديو والتلفزيون كلامًا، وكلما طحنوا صفعنا الدولار بين أعيننا، وأظلم في وجوهنا عمود الكهرباء، وتضاعف سعر الدقيق في البقالة والدواء في الصيدلية، وكراسة المدرسة في كشك بيع الدفاتر.

إنّ سوء الحال في الجنوب الذي كان عجلة اقتصاده تدور في أكثر من 60 مؤسسة اقتصادية ناجحة قبل عام 90، يوحي بقرب الاستقلال.

لدينا من الحزم ما نمحي به من مخيلة البعض أن يرونا راضين قانعين بهكذا حال، وإنما هي نخوة الجنوبي للتضامن إلى "حين" مع الشمال لدرء خطر الانقلاب.

ليس أمام هيئة الأُمم وقد وصلها الصوت الجنوبي إلّا أن تصغي، تحقيقًا للعدل الذي تنشده الهيئة الدولية.

إنّ تدمير أكثر من 60 مؤسسة اقتصادية منتجة في الجنوب، برهان ساطع لسوء النيّة. يا إلهي كيف صمت الجنوب كل هذه المُدّة؟

لكن سيبنيه الأحرار من جديد، ويعود لأهله، إنهُ صِدْق الرجال، وعَزْم "الميثاق".

نريد أن نسمع الآلة الاقتصادية الجنوبية وهي تدور وتشتغل، وتبعث الأمل وترسم الابتسامة كما كانت تفعل من قبل.

كان إعلام نظام الرئيس صالح يتحدث عن حركة تجارية نشطة في عدن، أين هذه "الماكينة" النشطة التي وصلت بنا إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

نحن نريد عودة شعلة المصافي والكهرو حرارية، وآلات محطات الكهرباء الجنوبية، وماكنات المصانع، وصوت الماء الذي يتدفق من الآبار إلى المواسير، يوم كانت بيوت المواطنين تسبح بين الضوء والماء طيلة الليل والنهار.

لا شيء بقي لنا الآن غير أن ندع صنعاء لأهلها المحتفلين بعاشوراء، ونلوي نحن صوب عدن في انتظار الحصول على جنوبنا الحبيب. أليس كل الطرق تؤدي إلى هذا المصير؟

ولقد غرّد قديمًا ابن الرومي حين سئم بؤس الحال وتاقت نفسه في انتظار الليالي الملاح:

لعلّ الليالي بعد شحْطٍ من النوى

ستجمعُنا في ظلِّ تلك المآلِــفِ

نعم إنّ للأيام بعد انصرامها

عواطفَ من أفضالها المتضاعفِ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى