الدراما اليمنية.. هل أسهمت في تكريس النمطية ضد ذوي البشرة السوداء؟

> عبد اللطيف سالمين

>
تعتبر الدراما التليفزيونية قوة ثقافية مؤثرة في المجتمع لا يستهان بها في تشكيل عقليات الجمهور، من خلال تكوين ونقل الآراء والأفكار المختلفة عن المجتمع. وقد عكست بعض من الأعمال الدرامية في اليمن صورة ذوي البشرة السوداء، وأبرزتهم بصورة نمطية من خلال مشاهد تمثيلية ساخرة، وأخرى تعمل على تأكيد صور العنصرية ضده هذه الأقلية.


وعلى مدى السنوات الماضية لم تحظَ قضايا الأقليات بالاهتمام المطلوب في الدراما اليمنية. وفي أغلب الأحوال كان يقتصر حضور ذوي البشرة السوداء أو اللاجئين في التمثيل العنصري من حيث المظهر والسلوك.

وأسهمت العديد من المسلسلات اليمنية في تعزيز بعض مظاهر العنصرية ضد السود. فعندما يتطلب أحد الأدوار ممثلا يجسد شخصية ذات لون سوداء، فعوضًا عن الاستعانة بممثل يتطابق لونه الحقيقي مع الدور الذي يجب أن يؤديه، يقوم المخرج بتلوين وجه ممثل أو ممثلة باللون الأسود أو البني، لتمثيل دور شخصية ذات بشرة داكنة وهو ما يعرف عالميا بـ "البلاك فيس" وهي طريقة تستخدم في الدراما والأعمال الفنية، لتقليد مظهر الشخص الأسود بغرض السخرية منه.

تسلية وإهانة ضمنية

وغالبًا ما تكون هذه الصور بهدف التسلية، إذ يتم من خلالها إظهار أصحاب البشرة السوداء بطريقة بعيدة عن الواقع، وتكرس صورًا نمطيةً غير دقيقة، يعتبرها أصحاب البشرة السوداء توصيفًا، يحمل إهانة ضمنية لهم، ويشوه ثقافتهم وعرقهم بما يتضمن من لهجات ورقصات وعادات وتقاليد.

ويقول الكاتب والسيناريست مازن رفعت إن "استخدام البلاك فيس في الدراما اليمنية، تكريس للصورة النمطية للمهمشين، ونوعا من النظرة الاستعلائية والعنصرية تجاههم”. لافتًا إلى أن الممثلين الذين يقومون بطلاء وجههم باللون الأسود، لا يعني أنهم دائما أشخاصًا عنصريين.

وبالنسبة له فإن مظاهر تمييز عنصري ضد ذوي البشرة السوداء في الدراما تتجسد "من خلال الاستغناء عن الممثلين من هذه الفئة، والاستعانة بالبلاك فيس وعدم تبني قضاياهم أو أسلوب الطرح".

وأضاف أن "العالم الآن تخلص من هذا النمط الذي فيه تحقير وسخرية لهذه الفئة، وصار يدينها ويحاكم من يقوم بها، وظهور هذا الأسلوب مؤخرًا في الدراما اليمنية يدل على تخلفها، وإصرار أصحابها على بقائها على هامش الفن العالمي والعربي".

نماذج حية


ففي عام 2021م أُنتجت مسلسلات وبرامج على القنوات اليمنية أثارت جدلًا واسعا وسط مطالبات بإيقاف عرضها، لكونها تضمنت مشاهد وُصفت بأنها كرست النظرة الدونية لذوي البشرة السوداء، إذ أظهرتهم عبر صبغ وجوه الممثلين بالفحم الأسود، وتقديم محتوى يظهرهم بشكل مغاير لواقعهم وحقيقتهم.

‏وهذا ما برز جليًا في مسلسل "كابتشينو" على تلفزيون "يمن شباب" الذي يؤدى فيه دوران لرجل وامرأة، تم صبغ وجهيهما باللون الأسود، وأنيطت بهما أدوارا ساخرة، سواء من خلال اللغة أو من خلال رد فعل بقية الممثلين تجاه شخصيتيهما، من التحقير والاشمئزاز، والإهانة لهما.

 ويظهر في إحدى مشاهد المسلسل، شخصان سوداوان يعملان كخادمين في مقهى، أحد المشاهد تقبل فيها الممثلة ذات الوجه الأسود امرأة أخرى فاتحة البشرة على خدها، والأخيرة تظهر عليها ملامح الاشمئزاز. وفي مشهد آخر، قدمت نفس الممثلة ذات اللون الأسود نفسها على أنها  "مديرة المراحيض".

 وفي مسلسل "خلف الشمس" الذي عُرض على قناة "السعيدة" في العام ذاته، حيث جسد فيه أحد الممثلين دور قرصان صومالي، من خلال صبغ وجهه باللون الأسود. وهذا مثال لا يقتصر على البلاك فيس فقط بل يجسد الأسود في هيئة المجرم، "إذ طالما تم تجسيد السود بوصفهم مجرمين أو ضحايا للجريمة.

وفي هذا الجانب يقول الممثل المسرحي والدرامي أكرم مختار إن "الدور يتطلب أحيانًا بعض المصداقية من جانب الممثل، فقد يقوم الممثل بطلاء وجهه باللون الأسود، وهذه قد يكون محدد له بالنص وقد تكون الشخصية التي يلعبها ليست من فئة المهمشين، فقد تكون عكس ذلك، وأما إذا كان المغزى من هذا الطلاء الإساءة إلى ذوي البشرة السمراء فهذا يعني الجهل لا محالة".

التنميط وأسبابه

وهذه ليست المرة الأولى التي تجسد فيها الدراما في اليمن مظاهر عنصرية، ففي السنوات الماضية عرضت قنوات فضائية يمنية مسلسلات، تضمنت إبراز ذوي البشرة السوداء بسخرية وتندر، لا بوصفهم جزءا أساسيا من كيان المجتمع بمختلف مكوناته.

ويعود تجاهل الدراما اليمنية لقضايا السود أو ما يطلق عليهم محليًا باسم "مهمشين" امتدادا لتجاهل الإعلام اليمني لقضايا هذه الفئة التي تحضر في أفلام قصيرة لا تتعدى أصابع اليد، وصناعها أفراد وليس جهات بحسب رفعت.


ويرى أن الممارسات العنصرية والصور النمطية المنشرة في المجتمع تجاه السود أو أبناء المهن المنبوذة مجتمعيًا كالحلاقة والطبال والزمار، انعكست سلبًا على أداء الدراما اليمنية.

ويوصي رفعت بضرورة "استغلال الفن في المساهمة في مكافحة العنصرية والتمييز الطبقي ضد ذوي البشرة السوداء في اليمن كون الدراما أداة تغيير وتثقيف، وقد رأينا كثيرًا من الأفلام العالمية التي تناولت قضايا ذوي البشرة السوداء في أمريكا وأوروبا، ولعبت دورًا كبيرًا في حصولهم على حقوقهم".

ويرجع غياب تبني الدراما اليمنية لقضايا الأقليات، بمن فيهم السود إلى ضعف الإنتاج الذي يقتصر على شهر رمضان، والتوجه السياسي للقنوات الفضائية التي تتبنى في إنتاجها أعمالًا درامية لقضايا أخرى لا تهم، وفق الممثل أكرم مختار.

ويقول: "من الطبيعي جدًا أن نجد مثل هذا التجاهل، والسبب هو أن القنوات الفضائية التي تبث الأعمال الدرامية قنوات موجهة سياسيًا، وأعتقد بأن الدراما الجنوبية كانت الأكثر جرأة في تقديم قضايا المهمشين"، حد تعبيره.

وينفي فكرة وجود إقصاء متعمد لقضايا المهمشين في الدراما، معللا الأمر بوجود بعض الأعمال التي قدمت أو ناقشت قضاياهم، وإن كانت ليست بالعدد الكبير.

"أنتجت هذه المادة ضمن مشروع "تقاطعات" الذي تنفذه مؤسسة نسيج للإعلام الاجتماعي بدعم من مركز الحوار العالمي (كايسيد)".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى